عدت أُنقي البحر من شوائب التعب….وأداري خريطة الدنيا من ثقل أحزانها… لعلّ الصباح المغيب يقرع أبواب السلام .. ويرضع طفولتنا حليب الأمان… ويعيدكِ إليّ ساخنة بعد انتظار ليل طويل… وكنتُ أداريكِ وأحمل جراب تعبي، أقرعُ أبواباً موصدة لا تتصل بنا في الحلم ولا تدركُ أنها مغيبة عن ذاكرة محبيها، هي موحشة يقبع فيها ظلّ لايفارق الجدار ولا يعرف أن المرآة قد تفضح يوماً حنينه المحبوس، تخرجه للملأ جثة هامدة .وكنتُ أراقبكِ واتتبع خطواتكِ، أدخل حيث تدخلين إلى سراديب أنت وضعتي اختامها في محفظة النسيان، ولم تغادري، لأنكِ لاتستطيعين كسر عادتكِ التي فطرتي عليها منذ طفولتكِ. اعتدتِ أن تغسلي بكائكِ بحدّ السكين دون أن تشعري بالألم، توحدتِ في انطوائكِ المميت بالحزن ولم يستطع الحزن أن يأخذك مني ..وكلما أقتربتُ اكثر من شق الباب داهمتني رغبة في كسره والدخول عليكِ دون خوف ودون أذن ..اشتدت ظلمة حجرتكِ الوحيدة في الصمت وفي انشغالات انتِ مارستيها دون رضى الآخرين، ودون اعتبارات أنتِ مدركة عواقبها!تدحرجتْ حولكِ كل ناطحات السحاب، فجاروتِ خوفكِ بصمتٍ اشدُّ من واقع اسرك، دخلتِ جبانة موحشة لعبت فوق ترابها الكلاب السائبة مذُ كنتِ في النطفة الأولى من التكوين ولعبتكِ ليس كألعاب الأطفال المتعارف عليها! إنحدار شديد القسوة تقدّم ليقسو فوق نبضكِ، يعصركِ تارةً وأخرى يُقلّم فيها أظفارك بقوّة الاغتصاب.! وما كان الليل في ظلمته وحيداً، ولا كنتِ في السقوط الأول من موقع الجمر، تكالبت على أسلافكِ سنن ليست من الرأفة وليس كمثلها في الشقاق حطبٌ لنارٍ فظيعة! ها أنتِ تغسلين خطيئته طيور المدينة، تتمسكين بضعفك، وشاحك قد تمزق فوق جسدكِ، حيثُ من يراك يظنّك جثة هامدة. الشهوة غراب ضائع في السراب وتلك التي اعتدتِ على إيقاظها ..غادرتنا من سنين (الجريش)لأن التمر قد غزاه السوس ..وأمطرته العناكب بالشباك الضيقة حصارٌ بغيض أخذكِ مني ..وظلّ الباب وحيداً يحيك صمته وأنتِ من خلفه ليس بينكٍ وبينه حجاب أحبّكِ، واشدُّ من جسدي نحو جسدكِ لعلّ ما أدركه الليل ..احتفظ به القمر في سماءِ بعيدة ولعلني التقيكِ ..أمدُّ يدي لملاطفتكِ ..أكسرُ حجاب خوفكِ، أُعيدكِ لصدري بهدوء..وأُخرجكِ من دارٍ معتمة..مات على نوافذها الخوف، وانكسرت كل اقفال الدنيا امامها..! (ومهما بلغنا من الكبر عتيّاً، اشتاق لكِ، أحنو عليكِ متحسساً تنور نهاركِ الذي لايغادره طيفك الذي أشعل في ذاكرتي شموعاً لاتعرف الذوبان ولا يحترق فتيلها في قلبي، أُحبكِ واجرُّ جسدي لألتصق بجسدكِ كي أشعر بالأمان وبدفء لايغادرني أبداً) تلك هي حبيبتي التي عوّدتني على حمل ثقل أسقامها ومنذ أولّ الفجر تعدُّ إليّ فطور الصباح بقهوةٍ وكأس حليبٍ شهيّ يثير بيني وبينها لغة الحنين التي لاتجفّ، لأنها مأذنتي العالية، وعمري الذي ليس له رفيق غيرها في معترك الحياة!.