الطالبان العرب

0
46

       شاع في الثمانينات مصطلح الأفغان العرب تعبيرا عن المقاتلين العرب الذين تقاطروا على أفغانستان في تلك الفترة للجهاد ضد الاتحاد السوفيتي، واكتسبوا في تجربتهم الجهادية الهيئة والزي الأفغاني، أما هؤلاء العرب الذين خرجوا علينا اليوم مبتهجين باكتساح جماعة طالبان للعاصمة كابول، معللين فرحهم بأن أمريكا خسرت الحرب في أفغانستان بعد عشرين عاما، وأن طالبان هي جماعة وطنية حررت أفغانستان من الاحتلال وستعيد السمت الإسلامي لأفغانستان، فيمكن وصفهم بالطالبان العرب.

   لم يتبين الوضع جليا في أفغانستان. سقط النظام (عموما) بفرار الرئيس وأغلب عناصر الحكومة وعدم إعلانهم عن إقامة أي حكومة معارضة في الخارج. وأعلنت طالبان أنها ستحكم بالشريعة لا بالديمقراطية. وهذه مسألة فضفاضة ستتضح معالمها قريبا.

   ما يتعين أن ندركه من معطيات لقراءة المشهد في المرحلة القادمة هو أن التغيير الحاصل في أفغانستان كان نتيجة مفاوضات الدوحة بين طالبان والأمريكان التي بدأت بتأسيس مكتب رسمي لطالبان في الدوحة في عهد الرئيس أوباما. وأن مشهد الانسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان لا يعبر عن خسارة أمريكا للمشروع الأفغاني الذي بدأته عام 1979م، ولم ينته بعد.

  الأمر الآخر أنه بعد سقوط مشروع دولة (داعش) الذي كشف عن مظاهر مرعبة في فهم وتطبيق تلك الجماعات للشريعة، يجري اليوم الترويج لنسخة محسنة من طالبان، يجيد قياداتها اللغة الإنجليزية، ويعون المصطلحات السياسية والحقوقية، ويعربون عن قبولهم بعناصر الحكومة السابقة وبكافة الخبرات الوطنية، ويتبنون لهجة مخففة ضد المرأة والأقليات الدينية والعرقية. لكن شريطة أن تكون في إطار الشريعة الإسلامية.

  والأخطر من كل ذلك أن تمكن طالبان من حكم أفغانستان والاعتراف الدولي بها يعني عودة مشروع الدولة الدينية الرسمي إلى المنطقة. وعودة نشاط الإسلام السياسي بكافة اتجاهاته وتوجهاته. وعرقلة مشروع تطور الدولة العربية المدنية التي تعترف بالجميع، وتحترم كافة الحقوق والخصوصيات والحريات العامة والخاصة.

  هؤلاء العرب الذين مارسوا حقهم الطبيعي والمقبول في تأييد دولة طالبان ودعمها معنويا وإعلاميا سيخرج منهم من يطالب بالوصاية على مجتمعاتنا، وتحجيم النساء والأقليات والفنون ومجالات النشر والتعبير، أسوة بالنموذج الحاكم في الدولة الطالبانية.

  ما يحدث في أفغانستان هو شأن داخلي. لكن التاريخ لن يمحوَ عشرين عاما من حكم طالبان التي كانت انعكاسا للعصور الوسطى. وكانت نموذجا لعرقلة التعليم والتنمية وتقويض حقوق النساء. وعودة طالبان اليوم هو تمديد للصراع الطويل التي تخوضه هذه الأمة منذ السبعينات ضد الجماعات المتطرفة التي أثرت بأفكارها على استقرار دولنا وعلى مستقبل شبابنا