العمل الليلي للنساء

0
136

قراءة في إلغاء المادة (30) من قانون العمل

شكّل عمل المرأة محور اهتمام المجتمع الدولي، اقتناعاً منه بدورها الفعال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكان العمل الليلي من أبرز أولويات هذا الاهتمام، ومن أجل ذلك أعتمد المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية عدداً من اتفاقيات وتوصيات العمل الدولية المتعلقة بعمل المرأة ليلاً أبرزها الاتفاقية رقم (4) لسنة 1919 التي تحظر عمل المرأة ليلا في الصناعة، والتي تمت مراجعتها بالاتفاقية رقم (41) لسنة 1934، وقد تمت مراجعة هاتين الاتفاقيتين بالاتفاقية رقم (89) لسنة 1948، وكان الهدف من هذه المراجعات هو اضفاء مزيد من المرونة على المعايير في بعض من أحكام هذه الاتفاقيات الثلاث، غير أن الاحكام الرئيسية للصكوك الثلاثة ظلت متشابهة إلى حد كبير.

وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقيات الثلاث قد تمت مراجعتها بعد جدل كبير بين الدول ما بين مؤيد العمل الليلي للمرأة وبين معارض، فأصدرت منظمة العمل الدولية اتفاقية العمل ليلاً رقم 171 لسنة 1990، والتي مثّلت توجهاً جديداً  برفع القيود على عمل المرأة ليلاً، لكنها استبدلت هذه القيود بحمايات قانونية للذكور والإناث في العمل الليلي، أي إنه بموجب هذه الاتفاقية تمّ الانتقال من حظر العمل الليلي إلى الحماية. أي أن على الدول الأعضاء وضع تدابير لحماية العمال بمن فيهم النساء في العمل الليلي.

ولعلّ من أبرز تدابير الحماية التي نصت عليها الاتفاقية رقم 171 لسنة 1990 بالنسبة للعمل الليلي ما نصت عليه في المادة (3) على أنه (تتخذ بالنسبة للعمال الليليين تدابير محددة تقتضيها طبيعة العمل الليلي تتضمن، كحد أدنى، تلك المشار إليها في المواد من 4 إلى10 أدناه، وذلك لحماية صحتهم، ومساعدتهم على أداء مسؤولياتهم العائلية والاجتماعية، وتوفير فرص الترقية المهنية، وتعويضهم التعويض المناسب. كما تتخذ مثل هذه التدابير في ميدان السلامة وحماية الأمومة بالنسبة لكل العمال الذين يؤدون عملاً ليلياً.

وتتضمن الإتفاقية عدداً من الأحكام التي تفرض على الدول اتخاذ العديد من التدابير اثناء العمل الليلي منها حق العمال بناء على طلبهم أن يوقع عليهم مجاناً تقييماً لحالتهم الصحية، وأن يتلقوا المشورة عن كيفية تخفيف أو تجنب المشاكل الصحية المرتبطة بعملهم قبل تعيينهم كعمال ليليين. على فترات منتظمة أثناء هذا التعيين إذا عانوا من مشاكل صحية ولا تكون ناجمة عن عوامل أخرى غير أدائهم لعمل ليلي.

كما خصّت الاتفاقية النساء العاملات بأحكام خاصة بهن أبرزها أن على الدول أن تتخذ تدابير تكفل توفير بديل للعمل الليلي للعاملات اللاتي كان سيطلب منهن، حددتها المادة (7) من الاتفاقية. ويجوز أن تتضمن التدابير النقل إلى عمل نهاري عند الإمكان، أو منح إعانات الضمان الاجتماعي أو إطالة إجازة الوضع، ولا يجوز فصل المرأة العاملة أو إخطارها بالفصل إلا لأسباب مبررة لا ترتبط بالحمل أو الوضع، وأن يحافظ على دخل المرأة العاملة عند مستوى يكفي لإعالتها وطفلها بما يتفق مع مستوى معيشة ملائم، لا يجوز أن تفقد المرأة العاملة المزايا المتعلقة بوضعها وأقدميتها وحصولها على الترقية التي قد تكون مرتبطة بعملها الليلي المنتظم.

فإذا كانت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل الليلي المشار إليها قد تطورت وتمت مراجعتها على نحو وصل إلى الانتقال من حظر العمل الليلي إلى ضرورة أتخاذ تدابير لحماية العاملين من النساء والرجال على حد سواء، فأين هي تدابير الحماية الخاصة بالعمل الليلي في قانون العمل البحريني بعد إلغاء المادة (30) من هذا القانون، التي نصت على أنه  يصدر الوزير قراراً بتحديد الأحوال والأعمال والمناسبات التي لا يجوز فيها تشغيل النساء ليلاً، وأين مثلها من التدابير في قرار وزير العمل والتنمية الاجتماعية رقم (50) لسنة 2020 بشأن تشغيل النساء ليلاً، الذي  أجاز تشغيل النساء العاملات ليلاً في جميع الأعمال التي يجوز للعمال الاشتغال فيها.

وإذا كنا نتفق نسبياً مع المشرع في المبرر الذي دعاه إلى إلغاء المادة (30) من قانون العمل بأن وجودها في القانون يشكل تمييزاً ضد المرأة العاملة وتتعارض مع ما ستحدثه من مادة جديدة بحظر التمييز بين العمال الخاضعين لأحكامه بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، غير أنه بعد إلغاء هذه المادة أصبح قانون العمل يخلو من النص على إلزام الوزير المعني بإصدار قرار يحدد فيه التدابير اللازمة لحماية الرجال والنساء العاملين ليلاً.

وكان الأجدر بالمشرع أن يستبدل المادة (30) أو يعدلها بدلا من إلغاءها بحيث يتم النص على انه (يصدر الوزير قراراً بتحديد التدابير اللازمة لحماية العمال العاملين ليلا بما فيهم النساء تقتضيها طبيعة العمل الليلي تتضمن ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية من تدابير الحماية بشأن العمل الليلي).

وإذا كان نتفق جزئيا مع ما نصّ عليه قرار وزير العمل والتنمية الاجتماعية رقم (50) لسنة 2020 بشأن تشغيلا النساء ليلاً، الذي أجاز تشغيل النساء العاملات ليلاً في جميع الأعمال التي يجوز للعمال الاشتغال فيها بحسبان أن ذلك ينسجم مع المساواة بين الجنسين في العمل التي نصت عليه اتفاقية العمل الدولية رقم (111) لسنة 1958 الخاصة بالتمييز في الاستخدام والمهنة، والتي صادقت عليها البحرين بموجب المرسوم رقم (11) لسنة 2000. لكن هذا القرار الوزاري جاء يتيماً من النص على أية تدابير حماية للنساء العاملات ليلا، وجعل عملهن ليلا في جميع الأعمال التي يجوز للعمال الاشتغال فيها. وهو ما يتعارض مع اتفاقية العمل الدولية المذكورة رقم (111) لسنة 1958 فهذه الإتفاقية وإن نصّت على المساواة بين الجنسين في العمل، غير أنها نصت كذلك بوضوح كوضوح الشمس في المادة (5 البند (1) على أنه (لا تعتبر من قبيل التمييز تدابير الحماية الخاصة أو المساعدة الخاصة المنصوص عليها في اتفاقيات أو توصيات أخري اعتمدها مؤتمر العمل الدولي). ومن هذه الاتفاقيات الأخرى الإتفاقية الدولية رقم 171 لسنة 1990بشأن العمل الليلي.

إن وضع تدابير لحماية النساء عند تشغليهن ليلا في جميع الأعمال التي يجوز للعمال الاشتغال فيها، لا يعد تمييزاً لصالح المرأة بل هو تدبير من أجل حمايتها لا يخالف الدستور ولا يخالف أحكام قانون العمل ولا الاتفاقيات الدولية، بل يأتي منسجماً مع نص المادة 10 من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة لسنة 1967 على أنه (لا تعتبر تدابير تمييزية تلك التدابير التي تتخذ لحماية المرأة، في بعض أنواع الأعمال، لأسباب تتعلق بصميم تكوينها البدني).

سيكون مجلسا النواب والشورى على المحك في دور انعقادهما الرابع والأخير من الفصل التشريعي الخامس حين تعرض عليهما المراسيم بقوانين العديدة التي صدرت في إجازتهما ما بين دور الانعقاد الرابع والخامس بما فيها المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2021، الذي ألغى المادتين (30، 31) من قانون العمل، في خيارين لا ثالث لهما بالرفض أو القبول، ولعل أبرز حجة يمكن الاستناد عليها بالرفض من حيث الشكل هو صدور هذه المراسيم خلافا لنص (38) من الدستور التي تلزم لصدورها بوجود ضرورة توجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وواقع الحال يكشف ليست هناك مثل هذه التدابير المستعجلة التي تحول دون تأخيرها. 

للموضوع صلة يتعلق بإلغاء المادة (31) من قانون العمل.