بدعوة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عقدت في بغداد قمة استثنائية عن طريق الشبكة العنكبوتية حضرها عدد من المفكرين والسياسيين العرب المهتمين بالشأن السياسي العراقي.
شارك في القمة الاستثنائية عدة دول عربية وأجنبية ناقشوا من خلالها الخلافات والقضايا السياسية والامنية والاقتصادية التي لها صلة بالعراق ودول الجوار والعمل على تسويتها. بالإضافة إلى العمل على ترسيخ علاقة العراق بدول المنطقة وإبعاده عن الصراعات الإقليمية، ولا سيما الصراع الأمريكي الإيراني على أراضيه، والذي يؤثر سلباً على الوضع الأمني العراقي، إلى جانب إعادة العراق إلى الفاعلية الإقليمية ومعادلة التوازن في المنطقة العربية عبر اتخاذه دور الوسيط في حل الخلافات العربية ولاسيما تهدئة التوترات بين السعودية وإيران اللتان اجتمعتا عدة مرات على الأراضي العراقية لإجراء محادثات لتخفيف التوترات في المنطقة.
هذه القمة الاستثنائية والتي أطلق عليها (قمة بغداد للتعاون والشراكة) تعتبر من وجهة نظرنا حدثاً سياسياً مهماً لم يشهده العراق منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث استطاع رئيس الوزراء أن يجمع الخصوم في هذه القمة.
نتساءل من خلال هذا المقال إذا كان العراق الذي يعاني من أزمات داخلية وتدخلات خارجية قد نجح في تسوية الخلافات وتهدئة الأوضاع في المنطقة من خلال هذه القمة؟ وهل استطاع فعلا أن يستعيد مكانته الاقليمية عبر اتخاذه دور الوسيط المحايد في معالجة القضايا العربية؟ وبالإضافة إلى ذلك، هل القمة لها انعكاس وأثر إيجابي أيضا على الوضع الداخلي في العراق؟
للإجابة على هذه التساؤلات علينا أولا أن نتحدث أكثر عن هذه القمة التي شارك فيها عدد من المهتمين بالشأن العراقي من دول الخليج (الكويت، قطر، الامارات، السعودية)، ومن بقيّة الدول العربية حضر ممثلون عن الأردن ومصرـ ومن دول العالم شارك آخرون من تركيا وفرنسا إضافة للحضور الإيراني في القمة، حيث ناقشوا جميعاً إمكانية التعاون في المجال السياسي والامني والاقتصادي بين العراق وبقية الدول، لاسيما وأنّ العراق بعد خروجه من معركته ضد داعش من جهة والتدخلات الخارجية من جهة أخرى أصبح يعاني من الهشاشة والضعف، لذا فهو بحاجة لجميع تلك الدول كي يستعيد استقراره ويؤكد من خلالهم على عودته للفاعلية الاقليمية، حيث أبدت بعض الدول استعدادها لإنعاش العراق اقتصاديا من خلال التشجيع على الاستثمار وضخ رؤوس الاموال، إضافة إلى استعدادها لمساندة العراق في مكافحة الإرهاب لإستعادة أمنه.
من جانب اخر، فإن دول الجوار يمكنها أيضا أن تستفيد من العراق الذي يقع في منطقة صراع اقليمي ودولي عبر التعاون والشراكة في عدة مجالات بدلاً من الصراع والمنافسة، أي بمعنى آخر تبادل مصالح بين العراق ودول الجوار.
بالإضافة لذلك، تمت مناقشة إعادة بناء علاقات العراق الخارجية وتعزيزها، إلى جانب قضية حل الخلافات والصراعات بين دول الجوار من أجل إخراج العراق من منطقة الصراعات بعد أن أصبح ساحة تصفية حسابات بين بعض القوى الاقليمية، للتأكيد على احترام سيادة العراق وإبعاده عن الصراعات الاقليمية ولتعزيز الأمن في المنطقة أيضا. حيث أن العراق أثبت تمكنه من لعب دورالوسيط المحايد من خلال هذه القمة لخفض التوترات بين السعودية وإيران من جهة وبين الولايات المتحدة الامريكية وإيران من جهة أخرى.
من وجهة نظرنا نستطيع أن نقول بأن العراق سينجح في ذلك وسوف يتمكن من عودته للفاعلية الاقليمية خصوصا بإنه جمع قادة الدول الخصوم في القمة التي أجرت محادثات واتفقت على تجنب الخلافات والعمل على تسويتها وأيضا استطاعت الحكومة العراقية الحالية تحقيق التوازن بين علاقة العراق مع كل من إمريكا وإيران اللتان تتصارعان على أراضيه حيث أن العراق تربطه علاقات جيدة مع كلتا الدولتين.
ونستطيع القول بأن العراق يحتفظ بعلاقات ودية ليس فقط مع أمريكا وإيران، بل كذلك مع السعودية حيث استطاعت الحكومة العراقية إجراء عدة مباحثات سرية بين السعودية وإيران منذ أبريل الماضي لتقريب وجهات النظر بين الدولتين ولحل الخلافات بينهما.
أثبتت هذه القمة بأن العراق استطاع الخروج من عزلته ويستطيع العودة لمعادلة التوازن في المنطقة العربية ونأمل بأن تكون بادرة خير على العراق وعلى دول الجوار وأن يصل العراق هذه الدبلوماسية ليعود للفاعلية الاقليمية أيضا.
ما تم مناقشته في القمة يجب أن يتم تفعيله على أرض الواقع وأن تظهر نتائجه في القريب العاجل لما له انعكاس ايجابي ليس على المنطقة العربية فقط بل على الوضع الداخلي في العراق، حيث التعاون الاقتصادي ما بين الدول المشاركة والعراق سوف يعمل على تطوير البنية التحتية وينعكس كذلك على تحسين الحالة المعيشة وتوفير فرص العمل.
وفي الجانب الأمني سوف يتحسن الوضع العراقي ويساعد الحكومة العراقية على كبح جماح انتشار الأسلحة والقضاء على الإرهاب. وأما من الناحية السياسية إبعاده عن أي صراع اقليمي أو تدخل أجنبي خصوصا وأنه مقبل على انتخابات تشريعية وشيكة من جهة ومن جهة أخرى قرب موعد الانسحاب العسكري الامريكي في نهاية 2021.