افغانستان .. الإنسحاب الأمريكي ليس مفاجئاً

0
39

بينما يستمر البعض في الإصرار على التصرف “متفاجئاً “بالإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، فإن التقديرات كما كتبت جريدة “قاميسون” السورية هي أن الإنسحاب كان محسوباً، ربما في ذلك الفوضى المؤمل وقوعها بعده، هذه بالتأكيد ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة بذلك، وليست هذه هي المرة الأخيرة التي تحاول فيها استخدام هذا التكتيك، الأمثلة من التاريخ كثيرة، بما في ذلك انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام في مارس 1973، فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي في حينه، ريتشارد نيكسون، قد ألمح إلى ان الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً اذا هاجمت فيتنام الشمالية مرة أخرى وصولاً إلى التطمينات التي سبقت الانسحاب بأيام قليلة، ليحدث الانسحاب بشكل “مفاجئ” وصولاً إلى مشهد سايغون الذي يكاد يكون نسخة الأبيض والأسود من مشهد الطائرات الأمريكية الملون في مطار كابول عام 2021.

بالمثل، في عام 1984، انسحبت قوات المارينز الأمريكية “فجأة” من لبنان بعد أسبوع من لقاء لرامسفيلد – بوصفه مستشاراً خاصاً لريغان في حينه – مع الرئيس اللبناني أنذاك أمين الجميل طمأنه فيه بأن الولايات المتحدة ستستمر في “دعم لبنان”.

 من الحالات الثلاث المذكورة أعلاه، المشترك على الأقل هو التالي:

  1. تدخل عسكري في بلد أجنبي ودون أي تفويض دولي.
  2. دعم قسم من السكان والنخب ضد أقسام أخرى وتعزيز حالة احتراب داخلي.
  3. تأمين عقود للمجتمع الصناعي العسكري تترافق مع عمليات نهب كبرى والإدعاء أن الأموال التي يتم صرفها بإتجاه هذا المجتمع هي مساعدات للبلد المعني الذي يتم التدخل العسكري فيه.
  4. خيانة الحلفاء والانسحاب وتركهم لمصيرهم بشكل “مفاجىء”.

بالعودة إلى أحداث اليوم في أفغانستان ثمة أفكار رئيسية لن نسميها “استنتاجات” أولية، لأنه لا يوجد شيئ نهائي حتى الآن.

أولاً: بالنظر إلى الطريقة التي انسحبت بها الولايات المتحدة من أفغانستان قبل بضعة أسابيع، كانت أحدى النتائج المرغوبة على ما يبدو هي أن يؤدي تسلسل الأحداث الناتج إلى تفجير الوضع، ومعرفة أن طالبان ستسيطر بسهولة، وتحويل أفغانستان إلى مركز جذب يتجه إليه المتطرفون من جميع أنحاء العالم وعودة إلى التاريخ، فيبدو ان مايطمح إليه الأمريكان هو استنساخ وضع أفغانستان نفسها في الثمانينيات حيث دعمت الولايات المتحدة حرب عصابات ضد الاتحاد السوفيتي لمتطرفين اسمتهم في حينه “مقاتلي الحرية”.

تخصيص وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث خاصة تلك الموجودة في واشنطن، مساحة كبيرة لهذه الفكرة. أشار مقال بعنوان “ها قد عادت طالبان وجهاديو العالم قادمون” نشره معهد واشنطن في أغسطس الماضي إلى ان “انتصار طالبان في أفغانستان اعطى فرصة جديدة للحياة للمتطرفين الإسلاميين حول العالم”، وأن “الجهادين (أوجدوا) ملاذاً في أفغانستان كقاعدة للهجوم عندما استولت طالبان على السلطة”.

في مقال أخر نشره أيضاً معهد واشنطن “عودة إمارة أفغانستان الإسلامية: الحالة الجهادية الراهنة” يتحدث الكاتب عن كيف أن انتصار طالبان ” يعزز بالفعل عناصر داخل الحركة الجهادية، وقد يحفز مرة أخرى حركة المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان”، ثم يضيف “من بين العائدين المحتلين الآخرين أعضاء القاعدة الذين انتقلوا من أفغانستان إلى سورية على مدار العقد الماضي للمساعدة في الفروع المحلية للتنظيم (جبهة النصرة وحراس الدين).

باختصار أن الإدارة الإعلامية الأمريكية خصوصاً تلعب في هذه الحالة دور المحرض على “هجرة” المتطرفين ليس من سورية والعراق نحو أفغانستان، وربما على الخصوص بحثاً عن إحياء ظاهرة “أفغان عرب” جديدة.

ثانياً: قيما يتعلق بالنقطة  الأولى يبدو أن النتيجة المرجوة من تحول أفغانستان الخاضعة لسيطرة طالبان إلى عاصمة للمتطرفين يمكن أن تكون غير دقيقة إلى حد ما. تظهر المؤشرات الأولية من افغانستان حتى الآن عاملين الأول هو أن دول الجوار بالإضافة إلى روسيا والصين لم تكن نائمة طوال العقدين السابقين، وليست “متفاجئة” الآن ولذا فقد فتحت هذه الدول خطوط اتصال مع طالبان منذ سنوات لاستباق النتيجة التي يرجوها الأمريكان. والعامل الثاني الذي هو إلى حد ما نتيجة جهود هذه الدول ونتيجة الواقع الأفغاني نفسه وتطوراته، هو أن طالبان ليست جماعة متجانسة، وهي في الواقع حركة بالمعنى العملي، أي أنها تتكون من تيارات واجندات مختلفة.

ومما سبق ذكره يتضح لنا أنه لا تقتصر الأهداف الأمريكية بالإنسحاب من أفغانستان على أولوية التنافس الإستراتيجي بين الدول، بل تشمل خلق حالة من الفوضى في جنوب آسيا، فسيطرة طالبان تعني خلق مشكلات لروسيا والصين والهند، وهي دول منافسة للولايات المتحدة، فطالبان توفر ملاذات آمنة لحركات جهادية مناهضة لهذه الدول. إن عودة طالبان للحكم في أفغانستان من شأنه إعادة خارطة العودة للتنظيمات الإرهابية مجتمعة، وجعل أفغانستان قبلة لمشاريع الإسلام السياسي.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي