أداء المجلس النيابي والجمعيّات السّياسيّة

0
99

في حوار مع الصحافة المحليّة تطرق النائب الأول لرئيس مجلس الشورى السيد جمال فخرو الى الجانب السياسي المتمثل في عمل مجلسي الشورى والنواب. فقد ركز على عدد من القضايا منها، أولاً، تشكيل مجلس النواب وكيف أنه تنقصه الخبرة السياسية ومكون من أفراد ليس لهم خلفيّة سياسيّة مسبقة وبالتالي ينعكس ذلك على ادائهم في المجلس.
ما أفاد به النائب الاول هو توصيف لواقع نتفق معه فيه. وهذا الواقع هو تصوير للوضع الراهن والظروف التي تمر بها المنطقة بأسرها من تراجع في المجالس التمثيليّة وصعود أكبر للسلطة التنفيذية في قرارات الدول. والسؤال هنا كيف يمكن استعادة التوازن في التاثير بين السلطتين.
مجلس الشورى أيضّا يشكو من محدوديّة الصلاحيات في التشريع وفق النائب الأول للشورى، وأن حق السؤال محصور في الكتابة والرد الكتابي دون مناقشة. ويقول “في السابق حين كان لدينا حق السؤال والنقاش، وكان ذلك يخلق نوعاً من الرقابة على الوزير، كما كان النواب يستفيدون من أسئلة الشوريين ويطورونها للجان تحقيق أو استجوابات”.
الآن الوزير لا يشعر بالمساءلة الشورية، فهو يزودهم بمعلومات فقط. لماذا توقفت هذه الحيوية في التفاعل بين المجلسين؟ يرى النائب الاول ان تعطى صلاحيات اكبر لمجلس النواب في الاسئلة والمناقشة. ويرى أن الشوري يلجأ للصحافة او السوشل ميديا للتعليق على ما جاءته من ردود. ونتساءل ماهو المانع من فتح مجال المناقشة سواء للشورى اوالنواب، فهي تُشعر المجتمع بحيوية العملية التشريعية والرقابية ويتفاعل المجتمع معها؟
امام المجلس (النواب والشورى) تحديات كبيرة عليه التعامل معها لتحقيق التفاعل الإيجابي مع المجتمع. فمثلا قضية التركيبة البرلمانيّة التي أشار إليها النائب الأول، يرى النائب الأول أهميّة زيادة حصة الجمعيات السياسيّة في التركيبة النيابية. وهذا في نظره يحتاج إلى تطوير العمل السياسي من خلال مؤسسات مثل معهد التنمية السياسية والتعليم بشكل عام. نرى ان ذلك قد لا يكفي، وسيحتاج الأمر، في المقام الأول، إلى التصاق بين الجمعيات السياسيّة والقضايا المحليّة والمعيشيّة وتبنيها والدفاع عنها.
بالإضافة إلى زيادة أنشطتها في الندوات والنقاشات والمؤتمرات لرفع الوعي السياسي في المجتمع. العمل السياسي هو في نهاية المطاف دفاع عن مصالح، وكلما كانت المصالح واضحة ومشتركة كلما كان العمل السياسي اكثر توجيها وجدوى وأقرب إلى الإصلاح. هذا يضع مسؤولية كبيرة على الجمعيات السياسيّة في وضع تصوراتهم لكيفية تطوير العملية الديمقراطيّة والتعديلات الدستورية والتشريعات اللازمة لأحداث هذه النقلة المنتظرة. كون غالبية الأعضاء مستقلين لا تدعمهم مؤسسات سياسيّة يعتبر عنصر ضعف في المجلس ينبغي العمل على معالجته.
الجمعيات السياسيّة هي الجواب الأنسب لإعطاء المجلس استمرارية أكثر في متابعة برامج ومشاريع تقوية المجلس على المدى البعيد، هذا النوع من العمل لا يستطيع أن يقوم به العضو المستقل، وغالبيّة الأعضاء من المستقلين تنقصهم الخبرة السياسيّة مما يعني أن المجلس سوف يستمر في أن يكون أداة ردة فعل وليس مؤسسة تنظر إلى مستقبلها، وكيف يتطور ويطور العملية الديمقراطية معه.
السؤال المطروح الآن هل المدة التي مضت كافية للحكم على التجربة الديمقراطيّة أم أنها مازالت في مراحلها الأولى؟، وإذا كانت الجمعيات السياسيّة هي الخيار الأفضل فكيف يمكن أن تقوم ببناء قاعدة من الدعم المجتمعي لكي تتمكن من المنافسة في الانتخابات؟
في المؤتمر الذي انعقد في يوليو 2019 بعنوان “نعمل معًا من أجل تحقيق تطلعات تشريعيّة “، يؤكد رئيس مجلس الشورى على أهمية الشراكة المجتمعية بقوله “إن المجلس قدّم انجازات كبيرة” معبرًا عن أمله وتطلعه إلى “شراكة مجتمعية” تحقق مزيدًا من تطوير العملية الديمقراطية والإنجازات والنجاحات التشريعية، وتسهم في تعزيز النهضة الشاملة لمملكة البحرين
يتفق مع ذلك النائب الأول لرئيس مجلس النواب السيد عبدالنبي سلمان الذي طرح في إحدى مداخلاته أهميّة أن يتحمل المجلس النيابي مسؤولية تطوير التجربة البرلمانيّة فيقول “مسؤولية النواب تشمل تطوير التجربة البرلمانيّة”، ويرى أن بعض مشاريع القوانين تحدّ من فاعلية المجلس مثل تقليص مدة عمل لجنة التحقيق إلى أربعة اشهر، وهذا ليس في صالح العملية الرقابية وإن “طلب التمديد ياتي نتيجة مواجهة أو اكتشاف أمور لم تكن متوقعة”. أو عدم تعاون بعض الوزراء مع النواب في بعض الحالات”. وقد تمّ طرح مرسوم بقانون أمام المجلس يقضي بتقليص المدة المتاحة للعضو في النقاش بخمس دقائق وتمّ اقراره. من ذلك نقون إن التوازن بين مختلف تمثلات المصالح العامة ضروري وهام لتطوير العمل البرلماني.
قضية أخرى توثر في اداء المجلس هي ضعف المجلس البلدي فهي تحدّ من فعالية النواب من حيث انه يُلقي عليهم أعباء متابعة مصالح المواطنين، ومراجعات الوزير في أمور إجرائية يمكن للنائب البلدي القيام بها. المواطن يحتاج إلى تسهيل أموره في الإسكان والصحة، وهذه قضايا ينبغي أن يكون علاجها جماعياً مؤسسياً وليس فردياً. جانب آخر من مجالات تطوير العملية الديمقراطية هي في تقوية مؤسسات المجتمع المدني واشراكها (كجهة استشارية) في العمل التشريعي خصوصاً، في عرض القوانين والتشريعات الخاصة بها. في الوقت الحاضر دور منظمات المجتمع المدني في العملية التشريعيّة محدود جداً إن لم يكن غائباً.
التوقعات من المجلس النيابي كبيرة وكثيرة وتطلعات المواطنين طموحة وتزداد مع تزايد ضغوط الحياة المعيشية، وتنعكس هذه التطلعات في التواصل الاجتماعي. كثيراً ما نسمع مناداة بالغاء المجلس النيابي بسبب الاحباط الذي اصاب البعض من ضعف الاداء، لكن الواقع أن وجود المجلس ضرورة لتطوير العملية الديمقراطية، وتحقيق تطلعات المجتمع. في نفس الوقت تقول رئيسة المجلس في كلمة لها “إن المجلس قام بدوره الرقابي والتشريعي على الوجه الأكمل”، هذا التفاوت الكبير في النظر إلى المجلس بين احباط المجتمع وتفاؤل المسؤولين يحتاج إلى معالجة، ونرى أن على رئاسة المجلس أن تضع توجهاً واضحاً لتقوية المجلس دستورياً واجرائياً، لكي يتمكن من تلبية متطلبات المجتمع ويزيل الإحباط المجتمعي ويقرب وجهات النظر من أداء المجلس والله ولي التوفيق.