علمياً الموت هو حالة توقف الكائنات الحية نهائياً عن النمو والاستقلاب والنشاطات الوظيفية الحيوية، مثل التنفس والأكل والشرب والتفكير والحركة والمشاعر وجميع النشاطات الحيوية، ولا يمكن للأجساد الميتة أن ترجع لمزاولة النشاطات والوظائف الآنفة الذكر.
تاريخياً لا تكاد تخلو ديانة سماوية كانت أم أرضية، من الحديث عن الموت، ومعظمها يدّعي أنه يحمل إجابات أسئلته، والطريق الصحيحة لتجاوزه؛ فمن التحول إلى طيرٍ أو شجرة، إلى تناسخ الأرواح، وليس انتهاءً بحياةٍ أبديةٍ في الجنة أو في عالمٍ مثالي تتحقق فيه كل المتطلبات دون أدنى جهد، تم عبر العصور خلق تصورات عديدة عن الحياة بعد الموت بكل ما تحمله من آمالٍ للإنسان بالخلود.
ولذا فإن أساطير الأولين اعتنت بالموت، ولعل ملحمة جلجامش شهدت أول نصٍ مسجلٍ وواضح، يدعو إلى البحث عن الخلود، ويندب الموت؛ حيث يسعى “جلجامش” للبحث عن الخلود في الطبيعة. ولعل المصريين القدماء، كانوا أول من تبنى فكرة استمرار الحياة بعد الموت، فقاموا بتحنيط ملوكهم، والحفاظ عليهم كأنهم أحياء (المومياء)، إيماناً منهم بأن للميت دوراً في الحياة الاجتماعية، وأنه يواصل هذا الدور في الحياة رغم موته.
حاولت الأساطير القديمة تخليد الإنسان بعد الموت إلى أن جاءت اليهودية واعتبرته عقاباً لا رجعة منه. حيثُ يبرر سفر التكوين ذلك “بظهور الموت كعقابٍ على ما ارتكبه آدم وحواء من خطيئة؛ إذ قام الله بإنزالهما إلى الأرض بعدما كانا خالدين في الجنة، ليعيشا في نعيم الحياة، لكن هذا النعيم، يظل محصوراً ومحدوداً، طالما العقاب الأبدي المتمثل بالموت دائم”. وهنا يأتي دور الديانة المسيحية، في تجسيد اليأس والأمل على صورة إنسان؛ حيث إن المسيح عليه السلام بعد صلبه، وفق المعتقدات المسيحية، ويأس أتباعه والمعترفين بنبوته بسبب تعذيبه وموته، آمنوا أن المسيح عاد ليبث فيهم الأمل من خلال قيامه عن الصليب وبعثه من جديد. ويعد الموت في الإسلام، مجرد مرحلةٍ انتقاليةٍ من الحياة إلى الآخرة، حيث يلاقي المؤمن الله، ويخاف الكافر من لقاء ربه، لكن المؤكد في الإسلام، أنّه لا يوجد انقطاعٌ عن الوجود بعد الموت، حيث تصعد الروح إلى السماء، ويدفن الجسد في القبر، إلى أن يُبعث في يوم القيامة.
أما فلسفة أبيقور فتؤكد على أن راحة البال، أو الطمأنينة، هي غاية الحياة، وأن اللذة والألم هُمَا أسُّ الخير والشر، وأن قيماً كالفضيلة والعدالة كلها مشتقة عنهما، لأنه “يستحيل أن تحيا حياةً سائغةً سارةً دون أن تحياها بحكمةٍ وشرفٍ وعدلٍ، كما يستحيل أن تحيا بحكمةٍ وشرفٍ وعدلٍ دون أن تنال حياةً سائغةً سارةً”. أحد عوائق التمتع براحة البال، كما يُجادل أبيقور، هو الخوف من الموت، وهذا الخوف يفاقمه الاعتقاد الديني في إنك إن جلبت على نفسك غضب الآلهة، فسوف تُعاقب عقاباً جسيماً في الآخرة. ولكن بدلاً من أن يواجه هذا الخوف بتقديم حالة خلودٍ بديلة، فإنه يحاول شرح طبيعة الموت في حد ذاتها. يبدأ بتقرير أنه حين نموت، فإننا لا ندرك موتنا، بما أن وعينا (روحنا) يكفُّ عن الوجود حين نموت.
الموت عند أبيقور هو نهاية الوعي، لذا لا يمكن أن يكون مؤلماً للشعور. والموت أيضاً هو نهاية الأحاسيس، لذا لا يمكن أن يكون مؤلماً للجسد. والخوف هو سبب تعاستنا، وخوفنا الأكبر هو الموت. لذلك إن استطعنا التغلب على خوفنا من الموت، أمكننا أن نكون سعداء. والسعادة عند أبيقور، هي هدف الحياة. ولكن ينبغي على البشر السلوك سلوكاً أخلاقيّاً، لأن السلوك اللاأخلاقي سيؤدي إلى تثقيل ضميرهم بالإحساس بالذنب ويمنعهم من الوصول إلى حالة الطمأنينة.
مذهب أبيقور الفلسفي في الأخلاق يُشير إلى أن اللذة غاية ما يريده الإنسان، فعليه أن يبحث عنها ويتجنب الألم. وقد أُسيء فهم قصده، فإنه لم يعنِ إشباع اللذة الشهوانية كما ظن معارضوه، ولكنه أراد باللذة امتناع الألم الجسماني وانتزاع القلق العقلي والروحي في الإنسان. فالسعادة لا تكمن في إشباع الشهوات، بقدر ما تكمن في قمع هذه الرغبات والوصول إلى حالة من الاستقلال في كل الظروف، مما يضمن سلام العقل، فلا يمكن لأعواز الحياة وتقلباتها أن تعكر صفوه. ولذلك تميزت حياة أبيقور بالبساطة والزهد، ومراعاة الأصدقاء بكل رفق، ولكن نظريته كانت كفيلة بخدمة أغراض الناس الأردياء لتبرير الإباحية والأنانية.