العراق الجريح

0
242

 العراق واحدٌ من أقدم وأعرق الحضارات في العالم، حدثت فيه أحداث كبيرة منذ قرون من السنيين، ولازال ينزف دماً ويتوجع الماً، وكان هذا قدر الشعب العراقي الشقيق. بعد سقوط الدكتاتورية التي جثمت على رقاب الشعب العراقي خمسة وثلاثين عاماً، جاء الاحتلال الأمريكي للعراق في إبريل من عام 2003 ليس ليبنيَ العراق وينشر مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كما ادّعى، جاء لتدمير العراق ونهب ثرواته وخيراته وسرقة آثاره وأول قراراته المقررة مسبقاً حل الجيش العراقي وغيرها من القرارات المأساوية، جاء لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وتكريس تواجده العسكري والأمني في العراق، ومن أجل تعزيز دور الكيان الصهيوني في المنطقة. 

وبعد أن دمّر الدولة العراقية وأجهزتها المتعددة، سلّم العراق للقوى السياسية التي حكمت العراق على مدار تسعة عشر عاماً، بدلاً أن تبنيَ العراق الجديد، واصلت مسيرة الاحتلال الأمريكي في تدميره وتفشي الفساد المالي والإداري بشكل لا مثيل له، كان تسابق تلك القوى السياسية ليس في بناء العراق وتقدمه وتطوره، كان في الحصول على الغنائم والمكاسب وتعزيز نفوذهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية للسيطرة والهيمنة ولتحقيق مآربهم الخاصة.

 تلك القوى والأحزاب السياسية هي المسؤولة عن معاناة الشعب العراقي وفقره وجوعه وهو الذي كان يمتلك عقولاً علمية وأكاديمية قلّ نظيرها في العالم العربي، الأغلبية الساحقة منها في المهجر، بالإضافة إلى ما لديه من الخيرات والثروات الهائلة (النفطية، الزراعية، الحيوانية، المائية) كل ذلك دُمِّرَ ولم يستفد منها الشعب العراقي، لا وجود لبنية تحتية، بل تدهور واضح في الخدمات (التعليم، الصحة، الكهرباء) وانقطاع مستمر في الكهرباء، ضعف في كل الخدمات الحكومية.

ولا يعرف الشعب العراقي أين تذهب مليارات الدولارات من عائدات النفط، لهذا انتفض الشعب العراقي في انتفاضة تشرين في عام  2019، مطالباً بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، تحت شعار “نريد وطن” دفع الشباب العراقي الثمن غالياً، عشرات الشهداء والمفقودين والجرحى، وبالرغم من مضي عام على  الانتخابات العراقية في عام 2021، لم تستطع تلك القوى المتصارعة على السلطة من تشكيل الحكومة الجديدة، لهذا دبّ الخلاف فيما بينها وهي اليوم تحشد جماهيرها في الشارع للتظاهرات والاحتجاجات، لتسجيل موقف هنا أو هناك، بعد أن دمرت العراق وسمحت للقوى والدول الأجنبية في التدخل في شؤونه الداخلية وفرض إملاءاتها وأجندتها.

 في ظل هذه الأوضاع المتأزمة تعمل القوى الوطنية الديمقراطية العراقية على تجميع صفوفها لتشكل قوى ضاغطة بعيداً عن المحاصصة المذهبية والسياسية، لتعيد العراق إلى مكانه الطبيعي بين البلدان العربية وفي العالم، فالشعب العراقي العظيم الذي قدّم آلاف الشهداء ضد الدكتاتورية وقوى الإرهاب، يستحق حياة حرة وكريمة، وأملُ العراق في قوى التغيير الديمقراطية، هل ينهض من جديد؟