مكانة الثّقافة الصحيّة في البحرين

0
48

الحل هو في تطوير الخدمات الصحيّة لا في خصخصتها

مكانة الصحة في المجتمعات، هي الدليل الأوضح، على حيويتها وذكائها. هذه الحيوية، التي تأخذنا إلى مستويات الوعي والتحديث فيها، نحو مسارات الحياة الأفضل، في الصحة والسعادة والعمل، والصحة في الحياة، تنتمي إلى القيم الصحية. وهذه القيم، هي التي تقودنا إلى البحث عن مكانة الثقافة الصحية في مجتمعنا البحريني.


الثقافة الصحية في البحرين، تستحقُّ من البحرينيين الكثير من النضج والمسؤولية، من قبل الأفراد والمواطنين، وأيضاً من قبل الجهات الصحية المسؤولة. لأن الصورة العامة، للثقافة الصحية في البحرين، قد أصبحت غارقة اليوم في العادات والأمراض. وهذا الأمر يتجاوز الصحة بمفهومها التقليدي؛ ويرتبط بالنظرة الشاملة، في المعتقدات والأفكار، لدى الأفراد والفئات.


الحياة العصرية التي نعيشها اليوم، لا تغنينا عن التساؤل، عن مكانة الحداثة في الثقافة الصحية. لأن قيم الصحة في حياتنا الحاضرة، مرتبطةٌ كثيراً بالقيم الحديثة، الايجابية والهادفة، التي تحترم النصف الآخر من الحياة الصحية، والمتمثلة في الثقافة العلمية والحداثة الطبية. وأما النصف الأول من هذه الحياة، فتعكسه الذات والشخصية؛ من خلال الوعي والتكوين، لقيم الصحة الجسدية، والتوازن العادل بين الجانبين الروحي والعقلي، من أجل قيادتنا نحو الهدف الأسمى، وهو هدف الاحترام الذاتي.


مشروع الصحة في حياة الأفراد، لا يكتمل من دون الاضاءة على أهداف الحياة. والقيم الانسانية العليا، لا تتحقق من دون وجود هذه الأهداف. لأن هذه الأهداف، هي الدوافع الطبيعية للحركة والعمل، في سبيل تحقيقها. والثقافة التقليدية الجامدة، تدعو الأفراد للخضوع والقبول بالمعيشة السطحية. وفي المقابل، تخبرنا القيم العليا، عن برامج النهوض والتقدّم، في الارتقاء الذاتي والشخصي، الذي لا يغفل أبداً عن مكانة الصحة لدى الفرد.


تراجع الصحة في الثقافة البحرينية اليوم، يقودنا إلى الحديث عن مخاطر الأمراض المتزايدة، في حياة البحرينيين وأجسادهم. هذه الأمراض، التي نعرفها اليوم بالأمراض المزمنة، والتي تحمل بعد فقدان السيطرة عليها، الكثير من المضاعفات الخطيرة على حياة الإنسان. إن الحديث والكتابة عن الشؤون الصحية، هو أمرٌ في غاية المسؤولية والجدية؛ وهو محاولةٌ للإضاءة على الحياة الصحية العامة، الموجودة في بلدنا البحرين، والتي تحتاج من البحرينيين، الكثير من الوعي والادراك، بالأبعاد والتداعيات، لتراجع الصحة في حياة الإنسان. مع أهمية التأكيد، على الاستشارة الصحية الدائمة، مع الأطباء والطبيبات، المختصين والعاملين في المراكز الصحية. وهذه الاشارة بالتحديد، هي من أجل عدم الوقوع في المعلومات الخاطئة، التي ساهمت بزيادتها وسائل التواصل والمواقع الصحية المختلفة؛ لأن تقييم الحالات الصحية والطبية، يتوصل إليها الطبيب المتخصص، من خلال الإجابة المهنية والعلمية.


الأبعاد والتداعيات في الحياة الصحية، تنعكس على الجانب الاقتصادي كثيراً، عبر مكانة الفرد في العمل والحياة العامة، من خلال مساهمته وفاعليته في التطوير والنهضة. وهذه المكانة الأخيرة، تقوم على قاعدة الصحة لدى الأفراد، تلك التي يعكسها المجتمع الواعي بقيم الصحة والحياة.


بين الصحة والاقتصاد، هنالك الكثير من الأهمية والتقارب، الذي يصل أحياناً إلى مستوى التوازن، في أبعاد التراجع والتقدّم. وفي بلدنا البحرين، بدأت الأوضاع الادارية والاقتصادية تؤثر على السياسات الصحية العامة؛ من خلال التفكير والتخطيط، في خصخصة الخدمات الصحية في البحرين، والعمل على إلغاء المكتسبات البحرينية، التي عكست عقود التأسيس الأولى، للنهوض والتطوير، في تاريخ البحرين الحديث.


إن مشروع خصخصة قطاع الصحة في البحرين سيكون من أكبر التراجعات على مستوى قيم المواطنة ومنجزات الدولة. وأدعو، عبر هذا المقال، أصحاب القرار في وزارة الصحة البحرينية، إلى التفكير في مستقبل الأجيال القادمة؛ والذي يتطلب منا الكثير من الصدق والمسؤولية، في حماية مكتسباتها وحقوقها، بدلاً من تضييع وتغريب مؤسساتهما. والتحديث الأمثل، يكون من خلال البرامج الحكومية البحرينية، الحقيقية والهادفة، لتطوير المنجزات الصحية، وبرعاية الكفاءات الادارية والمهنية، لزيادة النهوض والتقدّم بالصحة العامة في البحرين.


الرؤية الشاملة، هي من أكثر الغايات نسياناً في الحياة الادارية البحرينية، والتي نكتبها علناً في هذا المجال، لتقديم البرنامج الهادف والرؤية المخلصة، لزيادة الصحة في مجتمعنا وبلدنا. هذه الرؤية، التي تتمثل من خلال (مشروع التنمية الصحية في الثقافة البحرينية)؛ والتي تقوم بإدارته وقيادته وزارة الصحة البحرينية، وعبر الكفاءات المهنية والعلمية، الموجودة في الكادر البحريني الطبي. ويتمثل هذا المشروع، في برامج التغذية الصحية وطرق الوقاية من الأمراض، والتعريف بضررها على الجسد البشري؛ من خلال التثقيف الدوري للمراجعين في المراكز الصحية، عبر تخصيص قاعة لإقامة الندوات الأسبوعية، وتقديم المنشورات الهادفة بقيم الصحة ووسائل صيانتها وحمايتها، من خلال التنوير بمكانة الصحة والجسد في الحياة الإنسانية. وهذا المشروع، لا يكتمل نجاحه، من دون التعاون مع وزارة التربية والتعليم، من خلال تعليم وتكوين الأجيال الأولى من الطلبة والطالبات، على هذه القيم الايجابية، للغذاء الصحي والرياضة الجسدية.


النتائج الحقيقية للتطوير والإدارة، نستطيع أن نرى ثمارها على المدى البعيد، من خلال مكافحة الأمراض وهزيمتها في الثقافة البحرينية. ويقوم القائمون على هذا المشروع النبيل، بوضع الأرقام والتقديرات، لمعدلات التقدّم والانجاز، في نسب التقليل والمكافحة لهذه الأمراض، في حياة المواطنين والأفراد.


لقد تحدثنا في المقال الأخير عن مكانة المصلحة البحرينية ودورها في حياتنا، وقد وصلنا عبرها إلى أحد الأسئلة المهمة؛ عن مرحلة البداية لهذه المصلحة في ثقافتنا العامة. ومكانة الصحة في حياة البحرينيين، هي أحد المقاييس المهمة لهذه المصلحة. والمسؤولية في تفعيلها، يتشارك فيها المجتمع والدولة؛ أي بين المواطنين والأفراد، وبين أصحاب القرار في إدارة الشأن العام.


الصحة العامة في البحرين، لا تختلف كثيراً عن الصحة العامة في الخليج. وقد استمعت إلى برنامج (الساعة الخليجية) عبر إذاعة (مونتي كارلو الدولية)؛ والذي تعرفنا من خلاله على أحوال الصحة العامة في الخليج، والتي تنذر بالكثير من التحديات والتراجعات، ويقابلها أيضاً العديد من المنجزات. هذه المنجزات التي تنتظر الكثير من الوعي الاجتماعي والثقافي بمكانة الصحة، من خلال التفعيل الصحيح للحداثة الصحية والطبية، الموجودة اليوم في المجتمعات الخليجية. والعنوان الرئيسي لهذه الحلقة، هو (واقع الرعاية الصحية في منطقة الخليج)، والتي تحدث فيها الطبيب الكويتي (الدكتور شعيب القلاف)، في مطلع شهر نوفمبر من العام 2019.

لا أستطيع أن أختصر هذه الحلقة المهمة بالقليل من الكلمات، لأنها تحمل الكثير من الوضوح والمصارحة، بصورة الصحة العامة في الخليج. هذه الصحة الغارقة في الأمراض، والغارقة أيضاً في العادات والتقاليد السيئة؛ البعيدة عن القيم الواعية بمكانة الصحة في الحياة. وبعد مشاهدة هذه الحلقة، والتي تحمل أبعاداً غير تقليدية، ثقافياً واجتماعياً، نستطيع أن نعالج من خلالها عدة مواضيع مختلفة. التغذية الغير صحية، المفاهيم الجامدة؛ هي الفكرة الرئيسية التي تتشعب منها التراجعات الصحية في الحياة الخليجية. ورغم منجزات الحداثة الموجودة اليوم في المجتمعات الخليجية، إلا أنها ستبقى ناقصة ومتراجعة، من دون التحديث الثقافي والاجتماعي، نحو الاتجاهات الايجابية، في المعتقدات والقيم والأفكار.


أضاء (الدكتور شعيب القلاف) على الكثير من الزوايا الهادفة، للصورة الصحية العامة في الدول الخليجية؛ مشيراً إلى مشروع الوقاية وأهميته في الحياة الصحية للأفراد. والمكافحة الحقيقية للأمراض، تبدأ من مشاريع التوعية الوقائية، من خلال الجهود الثقافية والاعلامية، لزيادة الوعي الصحي في المجتمعات، والتي تحمل الكثير من النتائج المهمة والايجابية على المستقبل المنظور والبعيد.