كثيرة هي الأسماء التي رسمت خريطة الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية، ولعبت دورا لا يستهان به في التأريخ لحقبة مهمة من تاريخه السياسي والاجتماعي، فقد ارتبطت أسماء بارزة بالأدب الفرانكوفوني مثل محمد خير الدين والطاهر بن جلون و ادريس الشرايبي واحمد الصفريوي و إدمون عمران لمالح وعبد الكبير الخطيبي وفؤاد العروي وعبد اللطيف اللعبي واللائحة طويلة.
وبزغت تلك الكتابات في القرن التاسع عشر مع دخول الاستعمار إلى شمال افريقيا. لم يكن الغزو عسكريا فحسب وإنما طال الحقل الثقافي والاجتماعي، حيث حاول المستعمر الفرنسي جاهدا وبكل الوسائل طمس الهوية العربية الإسلامية لبلدان شمال افريقيا من خلال القضاء على التعليم الأصيل، وإقامة مدارس هدفها تنصير الفئة المهمشة، وضرب اللغة التي تعتبر العمود الفقري لهوية البلد الدينية والثقافية.
وقد صرح الناقد نجيب العوفي في إحدى حواراته حول هذا الأدب، بأن ظاهرة الأدب المكتوب باللغة الفرنسية أو الأدب الفرانكفوني “littérature francophone ” ظاهرة ثقافية حساسة، تولدت ضمن سياق الهيمنة أو الهجمة الإستعمارية التي اكتسحت كافة الأصعدة والمجالات، بما في ذلك المجال الروحي والثقافي واللساني الذي يعد وعاء الهوية وذاكرته.
انطلقت تلك الٱداب من خصوصية الزمان والمكان الذي ولدت وترعرعت فيه، فهي تنتمي إلى المحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي والحضاري الخاص بها، وتتمحور حول بيئة الكاتب ومحيطه، لهذا فقد وضعت موضع تساؤل مرة حينما اقتحمت موضوعات محرمة وطابوهات يصعب الإقتراب منها، ومرة حينما اعتبرها بعض النقاد مجرد شهادات لا ترقى إلى المستوى الأدبي المطلوب.
في الرواية الفرانكوفونية تجسد الصراع الحضاري، من خلال العديد من القصص التي كان كتابها أبطال تشكلت رؤيتهم للواقع من خلال تفاعلهم مع ثقافة الٱخر، و وعيهم بالهوة التي تفصل بين ثقافة (تشد إلى الوراء) واخرى تطمح إلى الحرية والانطلاق، لذا نجد أن هذا الأدب ولد لدى كتّابنا قلقا وجوديا ونوعا من الإزدواجية في طرح قضايا مجتمعاتهم، خصوصا وعقدة النقص والاحساس بالدونية دفع فئة مهمة من النخبة المثقفة لإدانة ونقد محيطها نقدا اغضب الرأي العام الداخلي وعزز من موقف المستعمر الذي طالما رأى في الاستعمار خلاصا للشعوب من التخلف والجهل والرجعية.
لقد تم لهذا الأنا التعرف على عالم جديد وحضارة لطالما انبهر بشعاراتها، وذلك من خلال الهجرة الطوعية أو الاضطرارية، فنجد كاتبا كإدريس الشرايبي وقد لقب بالكاتب “المزعج” نظرا لتحامله وسخريته على العادات والتقاليد القديمة، وهكذا سيثار بشدة مشكل الهوية عند الكاتب المغربي المعبر باللغة الفرنسية، فهو الناقد والمنتقد في نفس الحين، وهو الخصم والحكم في ذات الٱن. خصم في الوقت الذي ينتقد فيه بحدس المحلل مجتمعه، وحكم في الوقت الذي يجب عليه ان لا ينحاز للغة العدو وثقافته على حساب هويته.
واخيرا يمكن القول إن هذه الٱداب تناولت في نقاشاتها وعمقها التحليلي الفكر المغاير، ورفعت شعار المثاقفة والانفتاح على الٱخر، ففكر كفكر عبد الكبير الخطيبي يرى أن المثقف المغربي يوجد في وضعية تثاقف، فهو يمثل هذا الاثنين في واحد، ويعد قطب تماس بين الغرب والشرق، بين الهنا والهناك ، بين الأنا والٱخر.