أزمة تكساس

0
21

يستخدم الجمهوريون في الولايات المتحدة قضية الهجرة باستمرار لمهاجمة خصومهم من الحزب الديمقراطي، ومن المتوقع أن تزداد حدّة هذه الانتقادات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وهو ما يحاول ترامب أن يواجه به بايدن لكسب السباق الرئاسي من جديد، حيث اتهم بايدن بالفشل في التعامل مع قضية المهاجرين بشكل صحيح، في المقابل تعتبر الإدارة المركزية أن الدستور الأمريكي يؤكد أن السيطرة على حدود البلاد مسألة فيدرالية ويحقّ للإدارة الأمريكية أن تتصرف فيها وفق ما تراه صحيحًا. تجري هذه الأحداث في ظل انتقادات لاذعة يطلقها ترامب بوجه بايدن وإتهام إدارته أنها تستعمل نظام العدالة والانتخابات كسلاح ضده، واصفاً إياه بأكثر الرؤساء فسادًا في تاريخ الولايات المتحدة.

خلال فترة حكم ترامب تمّ تشديد الرقابة على الحدود بشكل كبير للغاية، حيث شيّد جدارًا فاصلًا، لكن مع وصول بايدن تغيّر هذا الوضع، والفارق أن حاكم تكساس ومعه حكّام أكثر من 20 ولاية أخرى هم من الحزب الجمهوري، ولايزالون متمسكين بالإجراءات التي تحدث عنها ترامب في السابق. والجدير بالذكر، أن تكساس تكتسب خصوصية في قضية المهاجرين، نظرًا لارتفاع معدّل الهجرة إليها بشكل هائل، ولذلك اتخذت الولاية إجراءات فردية للحد من قضية الهجرة، ففي السابق استخدمت الأسلاك الشائكة لمنع تدفق المهاجرين من المكسيك. واليوم يدعو ترامب جميع الولايات إلى نشر حرّاسها في تكساس حتى يتوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين.

ستؤثر أزمة تكساس على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهي بدأت بالفعل، وسيتقاذف الجمهوريون والديمقراطيون الاتهامات تصاعديًا مع اقتراب موعد الانتخابات في نوفمبر، لكن المعضلة الكبرى الوجودية للولايات المتحدة، هي احتمال انفصال تكساس لما يشكله ذلك من مخاطر اقتصادية وسياسية. وفي هذا السياق، وتحت عنوان “كيف تعزز معركة حاكم تكساس على الحدود الدعوة إلى انفصال الولاية؟” أوردت مجلة نيوزويك مقالًا يطرح فيه الكاتب فكرة انفصال ولاية تكساس عن الولايات المتحدة الأمريكية يقول فيه “إذا تحوّلت التوترات إلى أزمة، فهناك كثير من الفصائل، بما في ذلك القوميين من تكساس، على استعداد لتغيير الجغرافيا السياسية لأمريكا الشمالية. وربما تكون المفارقة الكبرى هي أن القوة الوحيدة القادرة على إسقاط الولايات المتحدة، الكيان السياسي الأقوى بالتأكيد في تاريخ البشرية، هي الولايات المتحدة نفسها “.

يرى البعض أن الانقسام الأمريكي ظل حاضرًا طوال عقد ٍ من الزمن على الأقل، لكنه وفي الشهور القليلة الماضية قُدّم للرأي العام العالمي والمحلي بوصفه مجرد صراع انتخابي، واتهامات متبادلة بين الرئيس السابق والحالي!، في حين أن كل ذلك يعد جزءًا بسيطًا من صورة معقدة ومتداخلة، وثبتت الأحداث التي تشهدها ولاية تكساس مؤخرًا هذه الحقيقة.

كان الدور الذي تلعبه أمريكا على المستوى العالمي دائمًا مرهونًا – كغيرها من الدول – بوضع داخلي مستقر، ويبدو جليًا عند مراقبة سلوك واشنطن خارج حدودها أنه ارتبط بآجالٍ زمنية، أي أن سياسيي الولايات المتحدة حددوا “مدة صلاحية” لتنفيذ أهدافهم في كثير من الملفات، وإن كان تفسير ذلك يرتبط بالضغط الكبير الذي يفرضه التدخل الأمريكي في دول أخرى على نفقاتها ومخازن أسلحتها، فإنه يرتبط أيضًا بكافة جوانب الأزمة الأمريكية التي تتحول مع كل يوم جديد إلى عامل لا يمكن إهماله في الحسابات.

أثر ذلك على واضعي السياسات في واشنطن، ودفعهم لتحقيق جملة من الأهداف على مستوى العالم بشكل استباقي، إما لتأخير ظهور أزمتهم الداخلية، أو لخلق واقع يعقد الأمور أمام خصومه، وبذلك يعيق قدرتهم على ملء الفراغ الناشئ. ومع ذلك ظهر منذ أحداث الكابيتول في 2021 أن الأوضاع الداخلية تتطور أسرع مما يجب بالنسبة لهم، وأن الوقت ينفد. ما يمكن أن يكون له تأثيرات هائلة ومتسارعة في قدرة الولايات المتحدة على إعاقة التطورات الدولية الجارية.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي