السعداوي: حياة الظل خلف عظمة الانجاز

0
16

من بين الكثير من التفاصيل والقصص، فإن سيرة الفنان الراحل عبدالله السعداوي ترتبط بأمرين اثنين أساسيين: الأول هو مساهمته في تأسيس مسارح أهلية في البحرين ودول أخرى مثل قطر والامارات العربية المتحدة التي عمل وعاش فيهما فترةً من الوقت. والثاني هو ان العديد من الفنانين من ممثلين ومخرجين ومصممي مناظر وديكور تتلمذوا على يديه. ماذا بقي إذاً لكي يشار الى سيرة فنان بارز في تاريخ المسرح في البحرين والخليج العربي؟

مع هذا، وخارج دائرة المسرحيين في البحرين والخليج، فإن احداً بالكاد يعرفه او يتذكر اسمه كاملاً. فهو ليس من ذلك النوع من الفنانين الذين يلاحقهم المصورون ولا من الذين يكثرون المقابلات الصحافية، بل ان شاء أحدنا استدعاء صورته، فان ذاكرتنا لن تجد الا صورة وحيدة تستدعيها يظهر فيها السعداوي بثوب أبيض حاسر الرأس دون غترة وعقال ولحية كثة اختلط سوادها ببياضها وصلعه لامعه تنتصف رأسه ونظرات من عين حادة النظرات. هكذا تضاف الى سيرته حقيقة أخرى: “التواضع”.

مازلت اذكر تلك الأمسيات التي كنت أزوره فيها في مسرح الصواري وأجده منشغلاً بتدريب شبان صغار جاؤوا شغفاً وحباً في المسرح. كنت أجد صعوبة في كتم ضحكاتي عندما أرى كيف ان هذا الفنان الذي لم يتعب ولم يكل من الشغف بالمسرح، يدفع الشبان الى تمارين فيها من الغرابة ما يدفع للضحك، لكن المغزى كان أعمق: كان يمتحن صبرهم وحبهم للمسرح، هل هو حب وشغف حقيقي أم عابر، يغرس فيهم أولى متطلبات ان تكون ممثلا على خشبة المسرح ويستخرج الطاقات الكامنة فيهم. كانت أجواء الأمسية وامتحانات الشغف هذه تدفعني لسؤال ظل يتكرر على لساني: “من أين يأتي هؤلاء الغلمان قاصدين السعداوي؟”.

ظل “الغلمان” يتوافدون على مسرح الصواري والمسارح الشقيقة الأخرى جيلاً وراء جيل وظل السعداوي يوالي ما كان يجيده أكثر من أي شيء آخر: التعليم والتدريب بصبر وأناة واثارة الأسئلة وتحريك كل ما هو راكد إن كان في نفوس تلاميذه أو في الوسط المسرحي والفني والثقافي.

هكذا، فإن تلك الحاضنة التي شكلها نادى مدينة عيسى في ثمانينيات القرن الماضي وقادها السعداوي، مثلت بداية توهج تجربة ستقود الى منعطف نوعي ومتميز في تاريخ المسرح البحريني عندما اثمرت تلك التجربة تياراً جديداً ضخ روحاً جديدة في المسرح البحريني وأعني تيار التجريب الذي دشنه مسرح الصواري. الأهم ان جيلاً جدياً من المسرحيين قد ولد وراح يكبر ويتوهج مع ملهمه الأول: عبدالله السعداوي.

فيما سيلي من الأيام، سيغدو بعض أولئك الشبان مخرجين في المسرج وفي السينما وآخرون نجوماً في التمثيل والسينوغرافيا.

من يحتاج للضجيج في الصحف والتلفزيونات والاعلام؟ لقد حسم السعداوي المفاضلة بين “الاستعراض” و”الفعالية” مبكراً عندما اختار الثانية فعمل بصمت وبدون ضجيج او تنظير زائد. الآن فقط تصيغ سيرة السعداوي نفسها أمامنا بعد كل هذه السنوات على هذا النحو: “تواضع في الحياة، عظمة في الإنجاز”.