السعداوي عندما لا يذهب الى البروفة وحده

0
49

الفنان البحريني عبدالله السعداوي ليس مخرجاً فقط، إنه معلم حتماً. هذا هو دأب السعداوي، إنه ليس مخرجاً عادياً، إنه استثناء، يذهب إلى المسرح باعتباره فعلاً إنسانياً وحياتياً، العلاقة الانسانية في المسرح هي من جعلته استثنائياً، العرض ليس مهماً بقدر أهمية ما يكتسبه الفريق من المعنى الأسمى للمسرح. في البروفة أنت لا تنجرف إلى العرض بل تنجرف إلى الحياة، معه تستطيع أن تولد من جديد لأنه حاد الأفق، أقول حاداً وليس واسعاً لأن كمية المعرفة ليست في شموليتها بقدر تأثيرها على الأشخاص العاملين معه.. المسرح معه مختلف ولذلك أجد أن أعمالي التمثيلية نادرة جداً مع غيره. عندما أعمل كممثل أو كمخرج معه ثمّة لعب أدوار شهي نتقاذف فيه ذواتنا ببهجة.. السعداوي جزء أصيل من تجربتي في المسرح.

جزء كبير من الذين شاهدوا وعملوا مع السعداوي استوعبوا المنتج ولم يستوعبوا تاريخه، وهذا الكلام لا يقال في حالة إبداعية بين مرسل ومتلق، بل يقال كل ذلك عندما نستعرض حالة بمجملها، قليلون هم الذين كتبوا عن ذلك.

السعداوي بوفاته هذا العام ٢٠٢٤ قد بلغ أربعين عاماً بعمله مع الشباب منذ ١٩٨٤، وكأنه بلغ سنّ النبوة وأدى الأمانة وذلك بتأسيس قاعدة استثنائية في تاريخ المسرح العربي الذي أرسى نموذجاً حياً للتعاطي مع المسرح بالإضافة إلى مساهمته الرئيسية والإستثنائية في خلق صفوف أخرى للمسرح في البحرين.

مضت سنوات طويلة والسعداوي ما زال يحفر ويبحث وكأن العالم سيقف إن توقفّ عن ذلك كله. شغوف بالمعرفة حد التماهي وباحث في موازيين الريح التي تشبه حالة الجنون.

ترى ما هو الجنون؟

إنه خارج الرتابة وخارج الحدود التي وضعتها البشرية وخارج النسق والنظم.. أليس هذا هو المسرح نفسه.

لا يتعامل السعداوي مع المسرح باعتباره طبيعة ثابتة كما نُظّر وكُتب عنها، بل يذهب بعيداً جداً، فهو الساحر الذي يُخيّب دائما توقعات جمهوره وهو صاحب الشعرات البيض التي كتب عليها كل معرفة تزوّد بها أو قرأها.

في البروفة لا يأتي السعداوي وحده.. لا يأتي بالزمان والمكان نفسه.. ففي كل يوم هناك سعداوي آخر ومكان وزمان آخر.. هناك مسرح متفرد يعيش في تفاصيل حياته.. مسرح يستند على المعرفة وينقضها في آن.

لا يسكن مع الأمل ولا يحتفي باليأس، تلك الأمثال النمطية التي وجدت لاستعباد البشر لا تروق له، ينحت من الزمن ثوبه الخاص ولا يطمئن إلى العرض.. ففي العرض يموت عنده كل شيء.. إنها كعكة الميلاد التي لا يحب أن يطفئها.

* كتبت هذه الشهادة قبل ٤ سنوات.