فن الترجمة، إذا صح أن نطلق عليه فنـاً، هو فن يعود إلى آلاف السنين، نشأ بسبب تعدد الحضارات والحاجة إلى نقل العلوم والمعارف والآداب للاستفادة من التقدم العلمي والمعرفي والأدبي. وقد شهد العالم الإسلامي فترة ازدهار واهتمام بالترجمة في العصر العباسي حيث يحكى أن الخليفة المأمون كان يشجع على الترجمة تشجيعاً شديداً ويعطي كل من يترجم كتاباً من اللغة اليونانية أو الرومانية أو غيرها ما يعادل وزن الكتاب ذهبـاً.
ومن الكتب الأدبيــة المشهورة في العصـر الإســلامي الأول كتـاب “كليلة ودمنة” الذي عرّبــه الأديب عبد الله بن المقفع عن الهنـدية وهو يروي حكايات على ألسنة الطيور والحيوانات فيها حكم ونصائح سياســية.
ولو جئنا إلى البحرين نجــد أن هذا الفن لم يعرف إلا في القرن العشرين وذلك بسبب عدم وجود المدارس النظامية وقلة المتعلمين. وقد لعبت كلّ من مدرسة الإرسالية الأمريكية في بداية هذا القرن وشركة بابكو منذ ثلاثينيات القرن الماضي دوراً واضحاً في تعليم ونشر اللغة الانجليزية بين المواطنين، ووفقاً للدكتور عيسى أمين، رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين فان أول مترجم بحريني هو الأديب والمؤرخ ناصر الخيري الذي قضى الفترة من عام 1921 إلى 1924 يعمل موظفاً ومترجماً بدار الحكومة في قسم القضايا الخاصة بالقضاء المدني. ومن رواد الترجمة في البحرين المرحوم الشاعر الكبير إبراهيم العريض، وكان لإجادته اللغات الفارسية والأردو والانجليزية إلى جانب العربية الأثر العظيم في ثقافته الواسعة، وقد ترجم العريّض ديوان “رباعيات الخيام” من الفارسية إلى العربية في الثلاثينات واتسمت ترجمته بالمهارة والإتقان حسب رأي النقاد.
ومن أوائل المترجمين البحرينيين المرحوم الأستاذ سالم عبد علي العريّض الذي عمل بمحاكم البحرين العدلية في الفترة من 1942 إلى 1981 وكان يقوم بترجمة القوانين وكذلك بالترجمة في المحاكم من العربية إلى الإنجليزية وبالعكس وله كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان “القوانين الإسلامية كما هي مطبقة في الهند البريطانية” ومن روّاد الترجمة أيضاً المرحوم الأستاذ محمد صنقور مدير المكتبات العامة سابقاً والمرحوم عيسى جاسم الجودر الذي كان يجيد اللغة الإنجليزية وعمل في قسم العلاقات العامة بشركة بابكـو ثم عمل مترجمـاً ومعلقاً على برامج المصارعة الحرّة في محطة أرامكو التلفزيونية في حقبة الستينات، وقد توفي عام 2002.
ومن المترجمين المشهورين في البحرين الدكتور محمد علي الخزاعي الذي ترجم دليلاً سياحياً بعنوان “جزر البحرين” من تأليف المستشرقة البريطانية أنجيلا كلارك في الثمانينات وكتاب (البحرين في العصور القديمة ) لبيتر كورنوول وكتاب (من بدايتنا الى يومنا الحاضر) لنانسي خضوري وغيرها من الكتب التاريخية كمـا ترجم رواية “مزرعة الحيوان” الشهيرة لجورج أورويل وعددا من المسرحيات مثل (المعطف والأنف) لنيقولاي غوغول وترجم بعض الدواوين والروايات لشعراء وادباء بحرينيين منهم قاسم حداد في ديوان(أيقظتني الفراشات) وعبد القادر عقيل في رواية (أيام يوسف الأخيرة) ورسائل الى عشتار لمجموعة من الشعراء العرب .
كذلك من المترجمين المتميزين الدكتور عيسى امين الطبيب والجراح المهتم جدا بتاريخ الخليج العربي ويرأس جمعية تاريخ وآثار البحرين منذ أكثر من ثلاثين عاما وصدرت له عدة كتب مترجمة عن الخليج. ومن الكتب التي ترجمها الدكتور عيسى (تاريخ البرتغاليين في الخليج العربي) و(رحلة الى الرياض والأوراق الخاصة) و(الطبيب بول هاريسون) و(رحلة الى الجزيرة العربية) و(ساحل القراصنة) وترجم من اللغة الفارسية كتاب (صيد اللؤلؤ).
ومن المترجمين المتميزين د. منذر الخور الذي عمل في ترجمة المقالات والمواضيع السياسية وتقارير وكالات الأنباء في الصحافة المحلية لسنوات طويلة وصدر له كتاب تاريخي بعنوان (أرض النخيل) يتحدث عن انطباعات زائر هندي للبحرين عام 1917، وكتاب آخر بعنوان (صائدو اللؤلؤ) يروي مشاهدات صحفي فرنسي زار الخليج عام 1830. ومن المترجمين النشطين الأستاذ فاروق أمين الذي عمل لأكثر من 20 عاما في ترجمة المواضيع السياسية والعلمية واشترك مع كاتب هذه السطور في ترجمة كتاب (ساحل القراصنة).
ومن المترجمين المخضرمين الدكتور نعمان الموسوي الذي يجيد الترجمة من اللغة الروسية واليها فضلا عن الترجمة من اللغة الانجليزية، وعمل مترجما لمقالات من الأدب والتراث الشعبي الروسي ونشرها في الصحافة المحلية.
ولا ننسى المترجم والروائي والسيناريست أمين صالح المتخصص في ترجمة المقالات السينمائية وصدرت له عدة كتب في هذا المجال وفاز بجائزة وزارة الأعلام في الترجمة لعام 2007. ومن الكتب التي ترجمها (السينما التدميرية) و(النحت في الزمن) و(حوار مع فدريكو فلليني) و(السوريالية في عيون المرايا) و(عباس كيارستمي _ سينما مطرزة بالبراءة)
ومن المترجمين المعروفين الشاعر والروائي والمترجم عبد الحميد القائد الذي كان يدير مكتبا للترجمة وأصدر كتابا مهما حول انطولوجيا الشعر البحريني الحديث باللغة الإنجليزية وصدر له ديوان (صخب الهمس) باللغتين العربية والإنجليزية.
ومن المترجمين أيضاً الصحفي الأستاذ إبراهيم بشمي الذي ترجم أكثر من 50 قصة أطفال تراثية من مختلف دول العالم وقد طبعتها مؤسسة الأيام للصحافة والنشر في حقبة التسعينيات.
ومن المترجمين السابقين المرحوم عبد الله يتيم الذي كان ينشر في التسعينات مقالات أدبية وفكرية وقصص قصيرة مترجمة عن اللغة الروسية لاقت اهتمام القراء.
ومن المترجمين البحرينيين ايضا الصحفي المرحوم خالد البسام الذي صدرت له بعض الكتب التاريخية المترجمة منها كتاب (القوافل) الذي يدور حول عمليات التبشير المسيحي في الخليج وكتاب (صدمة الاحتكاك ) و(رحلات الإرسالية الأمريكية الى مدن وقرى الخليج والجزيرة العربية ) و(ثرثرة فوق دجلة) الذي يروي حكايات التبشير المسيحي في العراق .
وهناك بعض المترجمين الأكفاء مثل الأستاذ غريب عوض الذي يعنى بترجمة المواضيع الخاصة بالمذاهب والأيديولوجيات السياسية وصدر له كتاب مترجم عن الديموقراطية طبعته وزارة الإعلام قبل سنوات.
ومن المترجمين الشباب علي مدن الذي نشر الكثير من الترجمات لمقالات ثقافية وسينمائية في الصحف والدوريات الثقافية، ومن كتبه المترجمة (لماذا أكتب؟) لجورج أورويل و(نزهة في فناء البيت الأبيض) وهي مجموعة قصصية للأمريكية باتريشيا هاسميث.
ومن المترجمين المتميزين أيضا القاص والروائي عبد القادر عقيل الذي ترجم بعض القصص والمقالات الأدبية عن الفارسية وترجم مجموعة قصصية للأديب التركي عزيز نيسين عنوانها (لماذا اصيب السيد رفعت بالجرب (ونشرها في عام 2008 كما ترجم رواية (اولدوز والغربان) في نفس العام.
ومن المترجمين البحرينيين الأديب نعيم عاشور الذي ترجم كتاب (الأزرق المستحيل) وكتاب (أرتو، جسد يختبر العالم).ومن المترجمين المعروفين الأستاذ محمود المحمود صاحب مكتب المحمود للترجمة والذي كان يشغل سابقا منصب مدير العلاقات العامة في بابكو وله خبرة طويلة في الترجمة من الانجليزية الى العربية وبالعكس.
ومن المترجمين الشباب السيد عبدالله أحمد المحميد الذي ترجم العديد من المواضيع الفنية والأدبية ونشرها في جريدة اخبار الخليج ثم جمعها في كتاب بعنوان (اشراقات ثقافية) وفاز بجائزة وزارة الإعلام في الترجمة في عام 2008 ثم أصدر كتابه الثاني (أزهار من الشعر العالمي).
ومن المترجمات الشابات لونا العريض التي ترجمت مجموعة قصصية بعنوان (أيام خديجة) لنعيمة السماك وكتاب (المنامة خلال 500 عام) للأستاذ عبد الكريم العريض.
ومنهن أيضا ريم عبد الله الحمادي التي ترجمت قصصا قصيرة أمريكية بعنوان (نبض من الواقع والخيال) وصدر في عام 2014.ومن المترجمين الشباب أيضا كل من: الأستاذ محمد المبارك رئيس لجنة الترجمة بأسرة الأدباء، الأستاذ هشام النهام. الذي صدرت له مجموعة قصصية مترجمة، الأستاذ رسول درويش الروائي والناقد والمترجم.
ومن المترجمين الشباب الصحفي طارق البحار المذيع بإذاعة اف إم الانجليزية بالبحرين والمهتم بترجمة المقالات عن الممثلين والمطربين الأجانب. وهناك بعض المترجمين الذين يعملون في تلفزيون البحرين ويقومون بترجمة البرامج والمسلسلات والأفلام الى اللغة العربية وكان من أبرزهم لولوة الفاضل.
هؤلاء أهم المترجمين الذين عرفتهم خلال مسيرتي في الترجمة لكنهم بالطبع لا يشملون جميع المترجمين في البحرين ولا يشملون المترجمين العرب في الصحف ووسائل الإعلام المحلية.
وقد ركزت على ذكر المترجمين الذين لهم كتب مطبوعة كما لم اتطرق الى مكاتب الترجمة في البحرين والعاملين فيها لعدم المامي الكافي بها وارجو المعذرة ان اغفلت سهوا بعض الأسماء.
الجدير بالذكر إنه في عام 1989 طرحت فكرة إنشاء جمعية للترجمة في البحرين، إلا أنه بسبب عدم وجود العدد الكافي من المترجمين وانشغال البعض وعدم تفرغهم للعمل الإداري والتطوعي، لم تلق الفكرة التشجيع المطلوب آنذاك وأعتقد أن الوقت الآن بات مناسبا بل ضروريا لإنشاء مثل هذه الجمعية لما لهذا المجال من أهمية ولما يعقد عليها من آمال.
في الحلقة القادمة سأسلط بعض الضوء على تجربتي في الترجمة.