من اخترع تسمية أرض إسرائيل؟

0
16

المؤرخ الإسرائيلي البروفسور شلومو ساند في كتابه، “متى وكيف تمّ اختراع أرض إسرائيل” يقول إن “الصهيونية سرقت المصطلح الديني (أرض إسرائيل) وحوّلته إلى مصطلح جيو – سياسي. وأرض إسرائيل ليست موطن اليهود. لقد تحوّلت إلى وطن في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وفقط بعد نمو الحركة الصهيونية”. إن أتباع الحركة البيوريتانية، وهي الحركة “التطهّرية” التي انبثقت عن البروتستانتية في بريطانيا، في القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانوا أول من قرأ التوراة على أنه كتاب تاريخي، “وهؤلاء الذين كانوا متعطشين للخلاص ربطوا بين حركتهم ونهضة شعب إسرائيل في أرضه”. وأضاف أن “هذه العلاقة لم تنشأ على أثر قلقهم بشكل خاص على اليهود الذين يعانون، وإنما بالأساس بسبب الرؤيا القائلة إنه فقط بعد عودة بني إسرائيل إلى صهيون سيأتي الخلاص المسيحي إلى البشرية كلها. وفي إطار صفقة الرزمة طويلة الأمد هذه يفترض أن يتنصّر اليهود، وفقط بعد ذلك سيحظى العالم برؤية عودة يسوع المتجددة”. ورأى ساند أن هؤلاء وليس اليهود، هم الذين اخترعوا أرض إسرائيل كمصطلح جيو – سياسي عصري.

نفس المؤرخ الإسرائيلي البروفسور شلومو ساند نفى في كتاب آخر له: “متى وكيف تمّ اختراع الشعب اليهودي” وجود شعب يهودي تمّ إرغامه على الخروج من البلاد إلى الشتات، وأكدّ أن معظم يهود أوروبا الشرقية هم من نسل مجتمعات وأفراد تهودوا خلال مراحل تاريخية، 

وأشار ساند إلى أنه في العصور الوسطى والقديمة امتنع اليهود عن السكن في فلسطين “خوفاً من تدنيس اسم الرب، على أثر الفرائض الكثيرة” التي ينبغي أن يؤديها من يسكن تلك البلاد. كذلك أشار إلى أنه لم يجد أي مصدر يفيد بأن حجاجاً يهوداً جاؤوا إلى البلاد قبل القرن الحادي عشر.
عالم آثار إسرائيلي آخر شهير وهو «إسرائيل فلنكشتاين» من جامعة تل أبيب ينفي وجود أي صلة لليهود بالقدس، إذ أكّد في تقرير نشرته مجلة جيروساليم ريبورت الإسرائيلية 5-8-2011- “أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة بما في ذلك قصص الخروج والتيه في سيناء وانتصار يوشع بن نون على كنعان”.

وقال فلنكشتاين “لم يكن هناك أي غزو عسكري قاس، وأكثر من ذلك فإنه يشكك في قصة داوود الشخصية التوراتية الأكثر ارتباطاً بالقدس حسب معتقدات اليهود، ويقول إنه لا يوجد أساس أو شاهد اثبات تاريخي على وجود هذا الملك المحارب الذي اتخذ القدس عاصمة له والذي سيأتي أحد من صلبه للإشراف على بناء الهيكل الثالث”، مؤكداً “أن شخصية داوود كزعيم يحظى بتكريم كبير لأنه وحّد مملكتي يهودا وإسرائيل هو مجرد وهم وخيال لم يكن لهما وجود حقيقي». 

فلنكشتاين يؤكد “أن وجود باني الهيكل وهو سليمان ابن داوود مشكوك فيه أيضاً، حيث تقول التوراة إنه حكم إمبراطورية تمتد من مصر حتى نهر الفرات رغم عدم وجود أي شاهد أثري على أن هذه المملكة المتحدة المترامية الأطراف قد وجدت بالفعل في يوم من الايام، وإن كان لهذه الممالك وجود فعلي فقد كانت مجرد قبائل وكانت معاركها مجرد حروب قبلية صغيرة وبالتالي فإن قدس داوود لم تكن أكثر من قرية فقيرة بائسة”، أما فيما يتعلق بهيكل سليمان فلا يوجد أي شاهد أثري يدلّ على أنه كان موجوداً بالفعل.

 وكان فنكلشتاين أدلى بواحدة من أهم الشهادات الموثقة المتعلقة بالصراع المحتدم حول “هوية القدس”، إذ شكك في أسطورتي الملك داود وسليمان الحكيم مورداً قراءة جديدة لهما على ضوء أبحاث علمية مفادها “أن داود كان ربما مجرد قائد محارب، وسليمان كان حاكماً على القدس في زمن لم يكن عدد سكانها يتعدى بضعة آلاف (2006/4/11).

يضيف فنكلشتاين  “ليست هناك أدلة على وجود تجمع سكاني عبري أياً كان استوطن فيه يعقوب وابناؤه أو غيرهم من الإسرائيليين الآخرين في مصر نفسها في القرن الثالث عشر قبل الميلاد الذي يعتبر فترة حدوث المجريات المفترضة في الحكاية”.

اتفق البروفيسور “يوني مزراحي” وهو عالم آثار مستقل عمل سابقا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية – مع رأى فنكلشتاين، وقال إن “جمعية إلعاد لم تعثر حتى على لافتة مكتوب عليها “مرحبا بكم في قصر داوود” برغم أن الموقف كان محسوما لديهم في ذلك الشأن كما لو أنهم يعتمدون على نصوص مقدسة لإرشادهم في عملهم.


 وفي الإطار نفسه يرى خبراء إسرائيليون أن الهدف الرئيس من وراء أنشطة الحفريات هو دفع الفلسطينيين للخروج من المدينة المقدسة وتوسيع المستوطنات اليهودية فيها، ويقول رافاييل جرينبرج أن ما تقوم به إسرائيل من استخدام لعلم الآثار بشكلٍ مخل يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في سلوان وتحويله إلى مكان يهودي. ومن جانبه قال إريك مايرز أستاذ الدراسات اليهودية وعلم الآثار في جامعة “دوك” الاميركية إن ما تقوم به جمعية “إيلعاد” يعدّ نوعاً من السرقة.

وفي سفر التكوين بقول يهوه “لنَسلك أُعطي هذه البلاد من نهر مصر إلى النهر الكبير”. وفي جزء لاحق في نفس سفر التكوين “فقال لابرام اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في ارضٍ ليست لهم، ويستعبدون لهم، فيذلونهم 400 سنه”.

منذ أكثر من سبع سنوات، في 22 أكتوبر 2016، أكدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في قرار لها عدم وجود أية علاقة تاريخية بين اليهود والمسجد الأقصى وخاصة “حائط البراق”، وأشارت “اليونسكو” إلى أن “المسجد هو مكان خاص بالمسلمين فقط”.

الصهيونية والعنصرية

العنصرية هي اعتقاد الشخص بأنه يجب تمييز البشر إلى فئات مختلفة ليست على أسس موضوعية والاعتقاد بأن فئته/مجموعته هي الأرفع مستوى من الفئات الأخرى نتيجة دينة او لونه او مذهبه او عرقه او منطقته، ومن هذا المنطلق فإن العنصرية الصهيونية تعتبر استثنائية حيث انها ليست فقط تعتبر نفسها أعلى وأفضل وأحسن، ومتميزة على محيطها العربي (الإسلامي والمسيحي) بل لها الحق في الأرض التي تدعيها لها والتي أستلبتها من الآخرين بل هي أيضا تنكر وجود الطرف الاخر وتحاول في كل مناسبه إلغائه وشطبه. 

دعونا لنعود للوراء مرة أخرى … تعرفون من أول من أطلق عبارة “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” إسرائيل زانجويل (توفي1 أغسطس 1926)، هو كاتب كوميدي إنجليزي، وُلد في لندن لعائلة من المهاجرين اليهود من شرق أوروبا. أبوه جاء من لاتفيا الواقعة ضمن الإمبراطورية الروسية وأمه من بولندا. كّرس قلمه لخدمة الحركة الصهيونية، وكان من قادة الصهاينة الذين أيّدوا الاستيطان في أوغندا وسعوا للمشروع الاستيطاني في ليبيا ولكن بعد وعد بلفور أصبح من كبار المتحمسين للاستيطان في فلسطين وطالب بالإسراع في إفراغها من سكانها. عندما واجهه إسرائيل زانجويل بحقيقة وجود من يعيش هناك، قال “لم تكن مشغولة من العرب بقدر ما كانت تدار من قبلهم”. وهو منتهى التلفيق العنصري السادي وينسجم تماماً مع كون الصهيونية حركة استيطانية إحلالية، وهو ما يعني ضرورة أن تُخلي الأرض التي سينفذ فيها المشروع الصهيوني من السكان الأصليين، ولا يمكن أن يتمّ هذا إلا من خلال أقصى درجات العنف والإرهاب والترويع (هذا ما يقوم به الكيان الصهيوني في غزّة). 

وقد يعبر العنف عن نفسه بطريقة مباشرة، كما أنه قد يعبر عن نفسه بطريقة غير مباشرة عن طريق عشرات القوانين والمؤسسات، وما قانون العودة الإسرائيلي إلا ترجمة لهذا العنف حين يُعطي أي يهودي في العالم حق “العودة” إلى إسرائيل في أي وقت شاء ويُنكر، هذا الحق على ملايين الفلسطينيين الذين طُردوا من فلسطين على دفعات منذ عام 1948، رغم أن يهود العالم لا يودون الهجرة الى إسرائيل بينما يقرع الفلسطينيون أبوابها.

قرار دولي بعنصرية الكيان

الكيان الصهيوني عنصري بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، الذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975 بتصويت 72 دولة بنعم مقابل رفض 35 وامتناع 32 عضوًا عن التصويت، وينصّ القرار على “أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، ويطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي تشكّل، حسب القرار، خطرًا على الأمن والسلم العالميين، إلا أن غفلة العرب مكنت إسرائيل من النجاح في إلغائه كشرط ٍ لمشاركتها في مؤتمر مدريد 1991، حيث ألغي بموجب القرار 46/86 الصادر بتاريخ 16 ديسمبر 1991.

الفصل العنصري (الأبارتهايد)

بناءً على ما سبق نتج عن ذك تطبيق الكيان الصهيوني أقسى نظم الفصل العنصر، وسنقارنه بما كان سائداً في جنوب أفريقيا، قبل دحر العنصرية هناك. إن الفصل العنصري هو نظام معاملة قاسية تتسم بتمييز بشكل منهجي ومطوّل من جانب فئة ما تجاه أفراد فئة أخرى، بقصد الهيمنة على الفئة الأخرى والسيطرة عليها واستعباده. وعلى المستوى الفلسطيني نجد تجلياته في الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويشمل هذا إفقار الفلسطينيين بشكل متعمَّد، مما يجعلهم في وضع شديد السوء بالمقارنة مع الصهاينة، العزل والسيطرة: وهو نظام من القوانين والسياسات التي تُبقي الفلسطينيين محصورين داخل معازل، وخاضعين لإجراءات عدة تسيطر على حياتهم، وتعرقلها بشكل مؤذي ومدمر. نزع ملكية الأراضي والممتلكات ومصادرتها، حيث عمد الكيان الصهيوني على مدى عقود من الاستيلاء المستمر على الأراضي والممتلكات، وهدم المنازل، وعمليات الإخلاء القسري. تقسيم الفلسطينيين بين مناطق تحت سيطرة مختلفة، ويتمثل جوهر ذلك النظام في إبقاء الفلسطينيين معزولين عن بعضهم البعض في مناطق مختلفة تخضع لنُظم قانونية وإدارية متباينة.

دعونا نضع هذه الحقيقة نصب أعيننا؛ النجاح الصهيوني في الغرب لا يعود لسيطرة اليهود على الإعلام أو لباقة الصهاينة ومقدرتهم العالية على الإقناع والإتيان بالحجج أو حتى ثراء اليهود وسيطرتهم المزعومة على التجارة والصناعة، وإنما يعود إلى أن الدولة الصهيونية أداة طيعة وقاعدة عسكرية رخيصة يفوق عائدها تكلفتها، وأعتقد أن كل ما سبق كان سببًا في التوافق الغرب صهيوني، وهو ما عبر عنه وزير الطيران الأمريكي السابق “سيمنجتون” بقوله: “إن إسرائيل حاملة طائرات غير قابلة للغرق”. للمقال تتمة في العدد القادم.