أين نقف من الرأسمالية والاشتراكية؟

0
98

مضت قرون على النظام الرأسمالي، كنظام سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وبالذات في أوروبا، حيث كان تأثير الثورة الفرنسية في عام 1789 كبيراً، لطبيعة النظام السياسي والاجتماعي الجديد، بعد إسقاط الملكية وإحلال النظام الجمهوري” البرجوازي” وإبراز حقوق الطبقة العاملة والحريات العامة.

صحيح أنه حدث تطوّر هائل في أوروبا بعد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر منذ إحلال المكننة بدل العمل اليدوي، وتطور وتقدم التصنيع في القرن التاسع عشر،  ولكن السؤال ماذا فعلت أوروبا المتطورة صناعياً  للشعوب والبلدان التي استعمرها البعض منها قروناً وليس عقوداً من السنين ولازالت آثارُها موجودةً، لا يمكن القول بأن الاستعمار، بناءً وفعلاً وعملاً،  كان يفعل من أجل مصالحه وليس من أجل مصالح الشعوب، ولكي يُسهِّلَ مهمةَ سرقته ثروات وخيرات تلك الشعوب والبلدان المستعمرة، ارتكب مجازرَ فظيعةً في أكثر من بلد مستعمر. فهل يمكن للشعب الجزائري أن ينسى ما ارتكبه الفرنسيون من مجازرَ والتجاربَ النوويةَ التي قام بها على الآلاف من الجزائريين، ولازالت آثارها باقية، ولم تعتذر فرنسا للشعب الجزائري على تلك المجازر المروعة.

والأمر نفسه يقال عن ما فعله المستعمر البريطاني في الهند من مجازرَ دمويةٍ لا مثيل لها طوال فترة استعماره للهند، غير إشعاله للفتن الدينية بين أتباع الديانات المختلفة وبالأخص بين المسلمين والهندوس، وما فعله المستعمرون البيض الأمريكان بالسكان الأصليين الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية، عند بناء معسكرات خاصة وتمَّ القتل والإبادة الجماعية للآلاف منهم، وما فعلوه بالأفارقة عندما تمَّ جلبهم إلى أمريكا “كعبيد” للعمل في المزارع وغيرها، وما فعلوه الأسبان في دول أمريكا اللاتينية عندما تمَّ استعمارها لقرون من السنين، وهناك العديد  من الدول الأوروبية التي ارتكبت العديد من الفظائع ضد الشعوب التي استعمرتها، القائمة تطول وتطول ، تاريخٌ أسودُ (ملطخ بدماء الشعوب في أكثر من بقعة من بقاع العالم)، تاريخُ إجرامٍ وقتلٍ ونهبٍ واغتصابٍ، وما يجري على الشعب الفلسطيني  في غزةَ كشف حقيقة النظام الإمبريالي، والذين سوّقوا له في السابق، هل لازالوا يعتقدون بأنه يدافع عن حقوق الإنسان والحريات العامة، وهو أسوأ مما كنا نعرف عنه وعن طبيعة الإمبريالية المتوحشة التي يهمها مصالحها وليس حقوق الشعوب.

 الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها من الأوروبيين لا يختلفون كثيراً عن طبيعة الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة في العالم، ربما تختلف في بعض القوانين والتشريعات، لهذا يشكل هامش المناورة السياسية لديها أوسع، أما في الجوهر تتقاطع مع تلك الأنظمة السياسية المستبدة، فهي تقف مع النظام الصهيوني العنصري في فلسطين المحتلة، وهي شريك معه في الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في غزة.

 ثورة أكتوبر العظمى.. والاتحاد السوفياتي

في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1917، السابع من نوفمبر لعام 1917 “التقويم الروسي” انتصار الثورة البلشفية بقيادة فلاديمير إيلتش لينين وسقوط النظام القيصري، في بلد زراعي لم يتوقع قيامها في تلك البلاد من قبل ماركس وإنجلز، كان توقعهما بأن تنتصر الثورة وتحديداً الثورة الاشتراكية، في بلد صناعي متقدم مثل إنجلترا أو ألمانيا، فرنسا،  انتصار الثورة في روسيا، جاء بعبقرية لينين الذي حدَّد ساعة الانطلاقة للاستيلاء على السلطة، الفرصة التاريخية أو اللحظة الثورية، لا يمكن تفويتها، فالفرصة المتاحة للانقضاض على السلطة قد جاءت، قراءة التاريخ والثورات وكيفية الاستفادة من  التجارب والخبرات مهم.

 وجاء انتصار ثورة أكتوبر في عام 1917 بقيادة البلاشفة الروس، وبعد عام انتهت الحرب العالمية الأولى في أعوام 1918/1914، لتدّشن مرحلة جديدة في النظام العالمي وهو بروز أول نظام اشتراكي، لتكون بداية لانتشار الأفكار الاشتراكية في العالم، حاولت القوى الإمبريالية الإجهاض على الثورة البلشفية لم تستطع، يوم بعد يوم تترسخ في روسيا آنذاك، وفي عام 1922 تأسَّس اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية، الذي سوف يتصدى وبشجاعة وبباسلة فائقة لجحافل الجيش الألماني النازي ويهزمه عندما حاول احتلال الاتحاد السوفياتي طوال سنوات الحرب العالمية الثانية في أعوام 1939/ 1945.

 كان الجيش الأحمر والمتطوعون من دول الاتحاد السوفياتي يقاومون ويتصدَّون للقوات النازية التي حاصرت العديد من المدن السوفياتية لسنوات في تلك الحرب، صمدت وانتصرت،  بفضل تضحيات الشعوب السوفياتية بقيادة الجيش الأحمر، تم دحر القوات النازية في التاسع من مايو عام 1945 في برلين ورفع العلم الأحمر فوق  مبنى  الرايخستاغ (مقر البرلمان الألماني) رمزاً للانتصار على النازية، بعد أن قدم الاتحاد السوفياتي أكثر من ثمانية وعشرين مليون شهيد في تلك الحرب لوحده (بدون قتلى  الحلفاء في الحرب)، برز الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى ومعه دول المنظومة الاشتراكية في شرق أوروبا ليتشكل عالم جديد، من الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية في مواجهة القوى الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ  العالم يعيش حقبة ما عرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي سوف تستمر حتى نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي .

قبل تفكيك الاتحاد السوفياتي تعرض مع حلفائه في الدول الاشتراكية لحملات معادية لا مثيل لها طوال تلك السنوات الماضية، ولكن الطامة الكبرى عندما تمَّ حل الاتحاد السوفياتي وبعده الحزب الشيوعي السوفياتي في بداية تسعينيات القرن الماضي.

حاولت القوى المناهضة إبراز الليبرالية كبديل للأفكار الاشتراكية، تحت يافطات وعناوين كبيرة ( حرية الرأي والتعبير، الديمقراطية وحقوق الإنسان ) وغيرها من الشعارات الرنَّانة، بعد سنوات انكشفت كل أباطيلهم وأكاذيبهم وخلعت تلك الاقناع عن الوجوه، بأن الغرب لا يريد تطبيق الديمقراطية والحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، بقدر ما كان يريد تدمير وإنهاء الاتحاد السوفياتي كقوى عظمى ومعها دول المنظومة الاشتراكية، هذه هي الحقيقة، خسرت شعوب الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية كل المزايا التي كانوا يتمتعون بها في ظل حكم النظام الاشتراكي وهي كثيرة  نذكر منها  التعليم، الصحة والسكن، الضمان الصحي، الرعاية الاجتماعية بالمجان، بالإضافة إلى توفير العمل وغيرها. باختصار في الاشتراكية العدالة الاجتماعية وعدم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان هي من المقومات الأساسية في النظام الاشتراكي، إلغاء الطبقية في الاشتراكية، لا تمييز أو فقر.

بالتأكيد هناك ثغرات وأخطاء في النظام الاشتراكي استفاد منها المعادون للاشتراكية، وفعلوا فعلتهم، من خلال القوى الانتهازية والمتربصين بالحكم. يبقى الفعل الحقيقي في أي نظام سياسي واقتصادي واجتماعي، مقدار تطبيقه الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والحق في حرية الرأي والتعبير