حزنٌ مؤجل

0
16

لا وَقت للحزنِ/

أدسُ آلامي وخوفي في حقيبةِ الظهر علّي أجد الوقت للحزنِ لاحقاً

اقترب لتأخذ صوراً،

رغيف الخبز متعفناً على الفحم البارد

الغسيل على الحبال الملطخة بالدم 

ثوب جدتي المقدسي المطرز في الخزانة

أشجار جدي المعمرة تستريح في الحقل القديم

صوت أمي ولُعب أطفالي في صدر الدار

لكن غارة قريبة تجبرني على الرحيل

أحمل جنيني ومفتاح عملاق أعلقه على صدري

قميصان وحفنة زعتر، تلك ذخيرتي قبل بلوغ معبر النهاية

نسير طويلاً إذ تعودنا المسير، سخرية الموت والحياة تعرفنا جيداً

لا يشبهنا أحد، وحدنا نشبه المعجزة،

أنا أضعت حقيبتي وحذائي

وأُفرغ رشاشاً كاملاً على كوكبة أحلامي وذكرياتي

لكنني أقطع المسافات حافية

وأنجب الحياة لهذه الحياة

بحزنٍ مؤجلٍ قد أضعته في حقيبة الظهر/

تلك النوارس من فوقي حُلم

سأسير وأسير

قد أعود أو لا أعود

لكن لي أثراً سيصبغ هذا الكون أبداً

امرأة

استيقظي/

ليأخذ الصبحَ لونه الذهبي من عينيكِ

ليتذكر الزمن حكمته ومعناه

لتدرك السماء كيف للشفاف أن يتلونَ 

وكيف للغة أن تتزين بالكلمات المقدسة

ليكتب الشعراء بماء الصبابة

لتغتسل الأيام بالعطرِ

ولتثمر النباتات الموسمية، استيقظي.

نعمةٌ أنتِ غرسها الله في حقلِ الحقيقة،

في البدءِ كُنت أنتِ/ 

حيث أن

عُرف الجمال 

حيث أول وردة وأول حمامة

حيث الحكمة البِكر

حيث أسراب الحياة الأولى

في الأصل، في التعريف في معاني الأشياء.. كنتِ أنتِ

يفيض الوجود منكِ بحبٍ دافئٍ

منذ أول طفل، تمسدينه بالحليب، بالمسك الأبيض،

تهدهدينه بأغاني الغزلان

حتى يحط الحمام على راحتيك المتجعدة، شعرك الأشيب وجذعكِ المتعب..

كنتِ أنتِ،

نعمةٌ غرسها الله في حقل الحقيقة

على مشارف الأربعين

تحسبني الأيام وردة

لكنني شجرة..

يأخذني الهواء

تعرفني الشمس 

جذوري أسرار تدلها الحكمة

ثمة قط جريح يتوارى خلف أغصاني

وينام في رأسي الكثير من العصافير 

أتدرب على الموت والحياة كل يوم

كثيرا ما أنسى اسمي وعمري

لي أصدقاء غادروا مستعجلين وأخذوا اخضراري معهم

وأنا على مشارف الأربعين 

تحسبني الأيام وردة 

لكنني شجرة 

كلما هززت رأسي تساقطت الأوراق

ينبت الشوك على أطرافي 

يتبدد الكثير من الوقت

أخاف/

أن تقتلعني يوما عاصفة

أن يغطيني تراب الحنين

فلا تعود إلى رأسي العصافير.