ذُعر الطبقة الحاكمة

0
16

بقلم: Graig Murray

ترجمة: غريب عوض

الطبقة الحاكمة، الثقافة، الإمبراطورية، بريطانيا عدم المُساواة، أوروبا، غزة، إسرائيل، الشرق الأوسط، فلسطين، سلك الأخبار في أوروبا الغربية، جورج جالواي George Galloway، القائد العُمالي السير كاير ستارمر Sir Keir Starmer، حزب العمال.

لقد عرفتُ جورج جالواي George Galloway طوال حياتي الراشدة، على الرغم من أننا فقدنا التواصل إلى حد كبير في منتصف فترة وجودي خارج الحياة الدبلوماسية. أنا أعرف جورج جيداً لدرجة أنني لا أستطيع أن أُخطئ بينه وبين يسوع المسيح، لكنهُ كان على الجانب الصحيح ضد الحروب المُروِعة التي قادتها الطبقة السياسية بأكملها مواهبهِ الطبيعية من اللباقة والفصاحة لا مثيل لها، مع موهبة إضافية في صنع العِبارات القوية.

بإمكانهِ أن يكون مُشاكساً بِشدة في النقاش ويرفض دائماً السماح لوسائل الإعلام بتحديد إطار المناقشة، الأمر الذي يتطلب شهية للمواجهة أصعب مما قد يعتقد المرء؛ إنها ليست مهارة أُشارِكها. ولكن بعيداً عن الأنظار العامة، يتمتع جورج George بِروح الدُعابةِ واللُطف والوعي الذاتي. لقد كان مُنخَرِطاً بِعمق في السياسة طوال حياتهِ، وهو مُؤمن بِشدة بالعملية الديمقراطية باعتبارها الطريقة النهائية التي ستُسيطرُ بِها الطبقة العاملة في النهاية على أدوات الإنتاج. إنهُ نوع من اشتراكي عتيق ومُهذب.

لا بُدَ أن أعترف أنهُ لم يسبق لي مُشاركة الطبقات العاملة في وجهة نظرها الرومانسية، ووجدتها دائماً في الواقع أكثرُ ميلاً إلى إتباع مذاهب نايجل فاراج Nigel Farage أكثر من ميلها نحو مذاهب جون ماكلين John Maclean. ولكن جورج جالواي مُشبّع بالتقاليد الاشتراكية الديمقراطية الأصيلة. وهو من نسل أهل البورصة والحسابات. لا يمكنك أن تجد بريطانياً أكثر ولا ديمقراطياً أكثر حماساً من جورج جالواي.

ولهذا السبب وجدتُ حالةٌ من الذعر سريالية عند انتخابه في منطقة روتشديل Rochdale وادعاء رئيس الوزراء، ليس أقل من أن هذا كان اعتداء على “القيم البريطانية” وحتى على الديمقراطية نفسها.

إن فكرة أن الديمقراطية – أي التصويت لشخصٍ ما – هي هجوم على الديمقراطية خطأ، كانت فكرة مجنونة للغاية، لدرجة أنهُ لو كان لدينا أي نوع من وسائل الإعلام المٌستقِلة، لتعرضت هذهِ الفكرة للسُخرية التامة.

وبطبيعة الحال ذلك لم يحدث بعد. لقد قيل لنا بصوت جهور أننا أُمةٌ في أزمة. إن الأشكال العادية للنشاط الديمقراطي – حُرية التجمع، وحرية التعبير، والتصويت الحُر – جميعها تُهدِدُ مجتمعنا.

إن سبب كُلُ هذا الذُعر السياسي هو بالطبع الإبادة الجماعية في غزة. من الضروري جمع النُقاط هُنا. نحنُ نعيش في وضع تتسع فيه فجوة الثروة في المجتمع بين الأغنياء والفُقراء بِأسرع مُعدلٌ لها على الأطلاق. حيثُ لأول مرة مُنذُ قرون، يمكن للشباب أن يتوقعوا أن تكون توقعاتهم الحياتية أقل من توقعات والديهم فيما يتعلق بالتوظيف، والتعليم والصحة والسكن. حيثُ أصبحت العلاقة بين سيطرة فاحشي الثراء من الطبقتين السياسية والإعلامية أكثر إحكاماً من أي وقت مضى.

حيثُ تقلصت نافذة جِرس الاستياء إلى صندوق بريد.

باختصار، أصبحت فرصة تحقيق هذا النوع من الانتصار الديمقراطي للشعب العامل الذي يحلم به جورج جالواي George Galloway، حقيقية مع الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى تعيين جيرمي كوربين Jeremy Corbyn زعيماً لحزب العمال. لقد تم تدمير فُرص كوربين بسبب السرد الكاذب لمُعاداة السامية. فمنذُ وقُوع المحرقة، أصبحت مُعاداة السامية، على نحوٍ مفهوم، أقوى تُهمة يمكن توجيهها ضد أي شخص يعمل في السياسة. وقد نجحت حملة مُتعمّدة ومحسوبة لتطبيق هذا المُصطلح على أي انتقاد لإسرائيل في نهاية المطاف في تدمير كوربين ومؤيديه باعتباره تهديداً على المدى القصير.

لذا فإن شيطنة انتقادات إسرائيل لم تكن حيلة عرضية من جانب الطبقة الحاكمة. لقد كانت الأداة الأكثر أهمية، التي تمكنوا من خلالها من القضاء على أقوى تهديد لهيمنتهم السياسية التي نشأت في دولة غربية كُبرى لعقود من الزمن.

لقد نجحوا لأن معظم الناس بصراحة لم يكونوا منتبهين. يعتبر العديد من الناس العاديين إسرائيل، كما تعلموا في المدارس، اُمة ضحية؛ وبالتالي فإن انتقادها هو أمرٌ مُستَهجَن ومُعادٍ للسامية. بالإضافة إلى أن الدفاع عن فكرة تحالف إسرائيل مع الخوف من الإسلام الذي ترتبط ارتباطا وثيقاً بالعُنصرية والمشاعر المُعادية للمهاجرين التي لا تزال تُشكلُ تياراً خفياً قوياً في السياسة الغربية، وخاصةً في إنجلترا.

وقد أدت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة إلى انهيار هذهِ الرواية. لقد رأى الكثير من الناس الحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من كلُ مُحاولات وسائل الإعلام الرئيسة للإخفاء أو التعتيم أو التشويه، إلا أن الحقيقة ظهرت الآن. إن رد الفعل الذي أطلقتهُ المؤسسة بالافتراءات “المُعادية للسامية” على كلُ من يُعارض الإبادة الجماعية – من الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وبابا الفاتيكان في الأسفل – قد قضى أخيراً على قوة تلك الافتراءات.

لقد تعلمت كِتلةٌ انتقادية من الناس العاديين تاريخ الإبادة الجماعية البطيئة للفلسطينيين خِلال الخمسة والسبعين عاماً الماضية. إن المؤسسة السياسية، التي أسست دعمها لإسرائيل كمقياس أساسي للاحترام السياسي والذي يمكن استخدامه بدقة لاستبعاد المُتطرفين من الخطاب السياسي، لم تتمكّن من تغيير أرضيتها والتخلي عنه.

إنهم يتشبثون بإسرائيل، ليس لأن لديهم إيماناً حقيقياً بأن إسرائيل قوة للخير، وليس لأنهم يؤمنون بالصهيونية الدينية، ولا حتى لأنهم يعتقدون أنها مشروع استعماري ضروري في الشرق الأوسط، ولكن لأن إسرائيل لفترة عقود من الزمن طوطمهم، شارة الاحترام السياسي، بطاقة العضوية لنادي الريف السياسي.

لقد أصبحت إسرائيل الآن سامَةٌ للجماهير، وقد أصبح الآن كامل تاريخ التطهير العِرقي والمذابح والإبادة الجماعية الطويلة التي يقوم عليها وجود إسرائيل ذاته أصبح مكشوفاً أمام العيان. إن الطبقة السياسية الآن في حالة من الذُعر، وتلوح بسيوفها وخناجرها في كل الاتجاهات. وتمت بالفعل زيادة سُلُطات الشرطة للحد من حُرية التجمع بشكل كبير، في العام الماضي فقط بموجب قانون النظام العام 2023، حيثُ يمكن حظر أي مُظاهرة صاخِبة أو تُسبب إزعاجاً. والآن لدينا دعوات من الوزراء المسؤولين لحظر المُظاهرات المؤيدة للفلسطينيين لأنها تسئ إلى مشاعرهم بطريقة يجدون صعوبة في تحديدها.

ويجري الآن النظر في نموذج التنظيم المحظور للحدّ من حرية التعبير والتجمع. وَيَتَطلّعون إلى حظر المجلس الإسلامي البريطاني والعمل الفلسطيني. ولكن لا يمكن حظر الأفكار، ومن غير المُرَجّح أن يتم تعريف أي شخص يختلف معك في الرأي على أنه “مُتَطرّف” في المحاكم. وفي الواقع فإن أي شخص لا يوصف حالياً بأنهُ مُتطرّف يجب أن يشعِرُ بالخجل الشديد.

بقدر ما أستطيع أن أرى، فقط المؤيدين النشطين للإبادة الجماعية ليسوا “مُتطرفين” في وجهة النظر الرسمية. وبما أن جميع الأحزاب السياسية الرئيسة في جميع أنحاء المملكة المتحدة تدعم الإبادة الجماعية، فإن هذا أمرٌ منطقي بالطبع.

لا يستحق الأمر أن تكون كل الهجمات الكُبرى على الحرية خلال العامين الماضيين – بما في ذلك قانون النظام العام، وقانون الأمن القومي، ومشروع قانون السلامة في رواندا (قيد التنفيذ) – تُحظى بدعم القائد العُمالي السير كير ستارمر Sir Keir Starmer. أتوقع تماماً أنهُ مهما كان الشكل الذي ستتخذهُ الحكومة لجعل مُعارضة الإبادة الجماعية غير قانونية، فإن السير كير ستارمر سيوافق على ذلك أيضاً. تذكروا أن ستارمر ادعى أنهُ من القانوني لإسرائيل أن تقوم بتجويع غزة.

إن قلوبنا وعقولنا تَظَلُ مع أهل غزة. إن مُعاناتهم وبطولاتهم لا تتألق في حد ذاتها فحسب، بل إنها تُلقي الضوء، الذي تشتد الحاجة إليه، على الفشل الكامل لنموذج الديمقراطية الغربية.