تجربتي في الترجمة

0
31

تنقسم الترجمة عندي إلى نوعين أساسيين: الأول هو ترجمــة تاريخية تتعلق بتاريخ البحرين الحديث، والثاني هو الترجمة الأدبية، وهناك ترجمات أخرى سلكتها في بداية عملي بالترجمة كالترجمات السياسية، لكني تركتها بعد فترة لإيماني بأهمية التخصص في الترجمة ولعدم ميلي من ناحية أخرى إلى مثل هذه الترجمات، فقد كان أول تعاون لي مع مجلة محليّة في مجال الترجمة، “مجلة المواقف” الأسبوعية حيث كنت أنشر أسبوعياً منذ عام 1987 وعلى مدى سنة تقريباّ مقالات سياسية مترجمة نقلاً عن مجلتي “تايم” و “نيوزويك” الأمريكيتين وغيرهما من المجلات الأوروبية، كل مقال يتراوح بين صفحتين أو ثلاث، معزز بالصور الحية.

المحطة الثانية في الترجمات السياسية كانت في جريدة الأيام حيث عملت مع مجموعة من المترجمين في بداية تأسيس الجريدة في عام 1989، منهم الدكتور منذر الخور والأستاذ فاروق أمين والدكتور نعمان الموسوي في القسم الخارجي، وكنا نترجم الأخبار التي ترسلها وكالات الأنباء والمواضيع السياسية التي تنشرها بعض الصحف من الإنجليزية إلى العربية وكانت تجربة مفيدة بالنسبة لي واستمررت في العمل في الفترة المسائية بالجريدة قرابة السنة.

أما ترجماتي التاريخية فقد أثمرت حتى الآن عن التالي:

أولاً: ترجمة كتاب مذكرات بلجريف، مستشار حكومة البحرين سـابقا أو ما يعرف بالإنجليزية ب Personal Column  .

ثانياً: إعداد وترجمة خمسة أجزاء من كتاب “نكهة الماضي”.

ثالثاً: ترجمة كتاب “ساحل القراصنة” بالاشتراك مع المترجم فاروق أمين.

ترجمة مذكرات بلجريف

بالنسبة لكتاب بلجريف، لا شكّ أن مؤلفه شخصية مهمة جداً في تاريخ البحرين الحديث بحكم عمله مستشاراً لحكومــة البحرين منذ عام 1926 وحتى عام 1957، أي أكثر من ثلاثين سنة شهدت البلاد خلالها الكثير من التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية. كنت أسمع عن المستشار كثيراً وأسمع عن كتابه شبه الممنوع، والذي لا توجد منه سوى نسخ نادرة في البحرين، حيث أن طبعته الثانية صدرت في عام 1972 ومضى عليها سبع عشرة سنة حتى ذلك الحين. وهكذا شرعت في ترجمة الكتاب ونشره على حلقات متسلسلة في مجلة “صدى الاسبوع” على مدى 42 أسبوعاً، ولاقت الحلقات اهتماماً واسعاً لدى القراء حتى أن مدير التحرير قال لي وأنا أسلمه الحلقة الأخيرة: وددنا لو كانت هناك حلقات إضافية من المذكرات.

لقد نشرت الحلقات في ظل ظروف سياسية وأمنية عصيبة كانت تعيشها البحرين، وكانت الرقابة على النشر شديدة فاضطررت إلى حذف أجزاء قليلة من الكتاب بعضها يتعلق بالأحداث السياسية في الخمسينات والبعض الآخر عن الطقوس الدينية لطائفة الشيعة، وفصلاً يتحدث عن الخلافات التاريخية بين البحرين وقطر. وكنت في بعض الأحيان أسلم مادة النشر إلى رئيس التحرير فيقوم بشطب فقرات حساسة منها. كما اجتهدت شخصياً بالحرص على توفير الصور التاريخية الملائمة لكل حلقة والتي كنت آخذها من كتاب “البحرين حضارة وتاريخ” وكتاب “أيّام زمان”.

وبعـد الانتهاء من نشر الحلقات ونجاحها تشجعت على طباعة الكتاب على نفقتي الخاصة، ولم يكن قانون حماية الملكية الفكرية قد طبّق في البحرين بعد، فطبعت الكتاب في بيروت وصدرت الطبعة الأولى منه عام 1991. ولقد لاقى والحمد لله رواجاً طيباً في البحرين وخارجها لما يحتويه من معلومات وتفاصيل تاريخية عن بدايات ظهور النفط وتطوّر التعليم والشرطة ونمو الاقتصاد البحريني والتطور العمراني والثقافي والسياسي لمجتمع البحرين.

“نكهة الماضي”

عقب نشر الحلقات جاءتني فكرة مواضيع وحكايات وطرائف تاريخية من البحرين، فشرعت في تنفيذ الفكرة بجريدة “الأضواء” الأسبوعية، وقد أسميت الحلقات “نكهة الماضي” واستقيتها من مقالات نشرها بالإنجليزية الباحث علي أكبر بوشهري في جريدة “جلف ميرور” في عام 1986، وراعيت أن تكون الحلقات قصيرة كما حرصتُ على نشر صور قديمة مرافقة لكل حلقة حيث أصبح جمع الصور التاريخية الآن من هواياتي الأساسية.

بعد ذلك خاطبت وزير الإعلام بأن تتكفل الوزارة بطبع الحلقات في كتاب، فوافق على تحمل الوزارة نصف النفقات وتم طباعة الجزء الأول من الحلقات باللغتين العربية والانجليزية في مطبعة وزارة الإعلام وصدر عام 1994.

استمررت في نشر حلقات جديدة من نكهة الماضي لكن ليس في “الأضواء” بل في جريدة “أخبار الخليج”، ووسعت المصادر التي أستقي منها مقالاتي، ومنها التقارير السنوية لحكومة البحرين وتقارير الوكالة السياسية البريطانية في البحرين وتقارير الإرسالية الأمريكية والعديد من المراجع التي رحت أنقبّ فيها في مكتبة المنامة العامة ومكتبة المعهد البريطاني (بريتيش كونسل) وبعض المجلات كمجلة “الوثيقة” و”جلف ديلي نيوز” هذا بالإضافة إلى بعض الكتب العربية التي تتحدث عن البحرين أو منطقة الخليج. وأثمر ذلك عن صدور الجزء الثاني من الكتاب في عام 1996 وكان باللغة العربية فقط.

وواصلت نشر الحلقات في الجريدة المذكورة ثم توقفت لثلاث سنوات ،بعدها عاودت نشر حلقات جديدة منها ولا زلت أواصل النشر حتى الآن وقد صدر الجزء الثالث من هذه السلسلة في بداية عام 2007 وباللغة العربية فقط .

وصرت مؤخراً أركّز على المواد المكتوبة باللغة العربية عن البحرين وأعدّها للنشر، وحظيت الحلقات بعد نشرها في جريدة يومية بالانتشار والاهتمام من قبل العديد من القرّاء، لما تتميز به من معلومات تاريخية جديدة منقولة عن مصادر دقيقة وموثقة باليوم والسنة والتفاصيل الصحيحة مما اكسبها المصداقية والقبول، وأعتقد أنني بذلك ساهمت ولو بجزء يسير في الإضافة إلى تاريخ البحرين الحديث. وقد وفقت لإصدار الجزء الرابع من سلسلة (نكهة الماضي) في العام 2015 تلاه الجزء الخامس في العام 2022

“ساحل القراصنة”

أما كتاب “ساحل القراصنة” لمؤلفه تشارلز بلجريف أيضاً، والذي يتحدث عن منطقة الخليج العربي في بدايات القرن التاسع عشر من خلال يوميات ضابط بحري بريطاني يصف فيها أعمال القرصنة التي تتعرض لها السفن الأجنبية في الخليج، ويتطرق إلى تاريخ القواسم والأسر السعيدية التي حكمت عمان لسنوات طويلة، وإلى الحركة الوهابية والأحداث التي لحقت بالمنطقة، فقد ترجمته بصورة مشتركة مع الأستاذ فاروق أمين عام 1994، وحاولنا عدّة مرات أن نحصل على جهة تتولى طباعته إلا أننا لم نفلح، إلى أن وافقت أخيراً دار نشر لبنانية على طباعته بالتعاون مع مؤسسة الأيام البحرينية وقد صدر الكتاب في عام 2006.

تجربتي في الترجمة الأدبية

اتجهت إلى الترجمة الأدبية بسبب شغفي وميلي للقصص القصيرة والرغبة في تطوير نفسي في هذا المجال، بالإضافة إلى رغبتي في أن يطلع القراء البحرينيون والعرب على نماذج من الأدب العالمي. وكانت البداية في عام 1991 حينما ترجمت قصة بعنوان “الرجل ذو الندبة” للأديب الإنجليزي الشهير سومرست موم ونشرتها في صفحة الثقافة بـ”أخبار الخليج”.

وفي منتصف التسعينات عاودت هذه الهواية بعد أن طلبتُ من الخارج مجموعة من الكتب التي تشتمل على قصص قصيرة متنوعة، بعضها قصص كلاسيكية لأدباء عالميين، والبعض الآخر قصص حديثة لكتّاب جدد، وأخذت أترجم هذه القصص وأنشرها في الملحق الثقافي بأ “أخبار الخليج”. ومن الكتّاب الذين ترجمت لهم إرنست هيمنجواي الأديب الأمريكي الشهير الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1954 والذي ترجمت له حوالي سبع قصص حتى الآن وأعجبت بأسلوبه وبساطة تعابيره، رغم عمقها وإمكانية تأويلها إلى أكثر من مدلول.

كذلك ترجمت قصصاً لأدباء كبار أمثال جراهام جرين وكافكا وكاثرين مانسفيلد وجيمس جويس وتشارلز ديكنز وفيرجينيا وولف وجون شتاينبك وتشيكوف وموباسان ودوستوفسكي وغيرهم. كما لم اقتصر في ترجماتي القصصية على الأدباء المشهورين في النصف الأول من القرن الماضي بل إمتد ذلك إلى الأدباء المعاصرين حيث ترجمت عدة قصص للروائي الشهير جابريل جارسيا ماركيز، وقصة واحدة بعنوان “الحب، الحب، الحب وحده” للأديب البريطاني الترينيدادي الأصل نيبول الحاصل على جائزة نوبل عام 2001.

كما ترجمت قصة بعنوان كتاب الرمل للأديب الأرجنتيني بورخيس، وقصص لأدباء آخرين كالأديبة سوزان هل والأديب الاسترالي موريه بيل وغيرهم. كما لم اقتصر في ترجماتي على الأدباء الغربيين من دول أوربا وامريكا كما يعتقد البعض بل امتد لكتّاب من آسيا وأمريكا اللاتينية واستراليا حيث ترجمت قصصاً لأدباء يابانيين منهم تتسوم سوسيكي وياسناري كاوباتا وكتّاب من الهند والصين وباكستان والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين.

وقد حرصت على ان تكون القصص التي أختارها للترجمة متوسطة الطول ملائمة للنشر على صفحات الجريدة ولا ترهق دماغ القارئ بطولها وثقلها.

فرق بين الترجمتين

هناك فرق كبير بين الترجمة التاريخية والترجمة الأدبية حيث أن الأولى تكون ترجمة مباشرة ليس فيها لبس في المعنى ولا تستغرق وقتاً طويلاً، بينما الترجمة الأدبية تتطلب التأمل والتدقيق في الألفاظ والعبارات فهناك الكثير من الكلمات الإنجليزية لها معان عديدة بعضها أحياناً مختلف كليّة عن الآخر، وقد تنتاب المترجم الحيرة في اختيار المعنى الذي قصده الكاتب، كما أن بعض العبارات والألفاظ ربما لا توجد في بيئتنا العربية ويستدعي ذلك شرحها أو البحث عن دلالتها. كما التزمت قدر الإمكان بالعناية والتأني في ترجمة القصة لكي أنقلها لأقرب ما يكون من المعنى الذي قصده كاتبها، رغم أن بعض القصص ترجمتها عن لغة ثانية غير لغتها الأصلية مما يقلل من مجاراة أسلوب الكاتب أو دقة ما ذهب إليه.

وأثمرت هذه الترجمات عن صدور كتاب “قصص مختارة من الأدب العالمي” في نهاية 2002 وذلك ضمن مشروع النشر المشترك الذي تقوم به مشكورة وزارة الثقافة والإعلام البحرينية بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ويعتبر هذا الكتاب أول كتاب بحريني يتضمن قصصاً قصيرة مترجمة.

والحمدلله أنّ هذه القصص لاقت الترحيب والاستحسان في الأوساط الأدبية في البحرين وخارج البحرين وأحسب أنها جاءت لتضيف إلى جزء مهم من الثقافة البحرينية وهو التواصل مع الآداب الأجنبية مما أعطاني الثقة والتشجيع على الاستمرار. وفي عام 2006 صدر الجزء الثاني من هذه القصص بدعم من مركز جدحفص الثقافي واشتمل على 18 قصة لمؤلفين آخرين من مختلف دول العالم.

وفي عام 2010 أصدرت قصصاً مختارة من الأدب الأمريكي الحديث الذي يتضمن 28 قصة قصيرة لأدباء معاصرين.

وعلى صعيد ثانٍ مرتبط بالترجمة القصصية، كنت قد شرعت في دراسة دبلوم القصة القصيرة والصحافة في أحد المعاهد التعليمية الأمريكية في بداية الألفية الثالثة، وتضمن المنهج إرشادات لكتابة القصة وعناصرها ومصطلحاتها وكيفية كتابتها وأبحاث وآراء تتعلق بها فرأيت أنه من المناسب ترجمة بعض هذه المواضيع ونشرها على حلقات كمادة أدبية. ولقد لقيت هذه الحلقات التي استمرت لعدة أشهر اهتماماً من قبل بعض النقاد وهواة القصة.

ومن ناحية أخرى أسعى دائماً إلى التوسع في الترجمات الأدبية المتعلقة بالقصة والرواية واتجهت خلال العقد الماضي إلى البحث عن المراجعات النقدية أو الكتابات الصحفية عن القصص والروايات الكلاسيكية أو الحديثة سواء في الكتب الصادرة باللغة الإنجليزية أو المجلات البريطانية والصحف الخليجية، وترجمتها لتعميم الفائدة منها.

 وكنت في هذه الفترة أتوجه باستمرار إلى مكتبة المعهد الثقافي البريطاني وأطلع على الصفحات والملاحق الثقافية في المجلات والصحف الإنجليزية وأختار المناسب منها، كذلك كنت أقضي أوقاتاً طويلة في مكتبة المنامة العامة أفتش بين صفحات الجرائد الخليجية الصادرة بالإنجليزية لنفس الغرض، بالإضافة إلى شراء بعض الكتب الأدبية من مكتبة العائلة. وقد اسفرت هذه التجربة عن نشر العديد من المواضيع التعريفية والنقدية لكثير من روائع الكتب الأدبية.

وعلى صعيد آخر اتجهت قبل بضع سنوات إلى نطاق آخر من الترجمة الأدبية حيث أقدمت على ترجمة العديد من القصائد العالمية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية وكنت متخوفاً من هذه التجربة أول الأمر لصعوبة ترجمة الشعر لكني تشجعت ونشرت سلسلة من الأشعار المترجمة في الصحف المحلية والتي لاقت القبول من قبل البعض، ومن الشعراء الذين ترجمت لهم الشاعر الكبير ناظم حكمت.

والشاعر المعروف بابلو نيرودا بالإضافة إلى عشرات الشعراء والشاعرات من الهند وباكستان الذين يكتبون بالأردو لكن ترجمتي لهم كانت عبر اللغة الإنجليزية.