فيلم (قتلة زهرة القمر)

0
9

 ما يزال القتلة أحياء وقد وصلوا غزّة

زهرة القمر هي الزهرة البيضاء التي تنمو في ولاية أوكلاهوما، حيث الموطن الثاني لسكان قبيلة (أوساج) الهندية، وهم من السكان الأصليين الذين تمّ طردهم من منطقتهم في ولاية ميسوري إلى أوكلاهوما، ولكن الصدفة التاريخية أعطتهم ثروة البترول في أرضهم الصخرية الجديدة مما أربك الرجل الأبيض وراح يؤسس العصابات التي دخلت هذه الأرض واستغلت الثروة الجديدة تحت شعار التنمية لتحسين حياة الهنود، فأدخلت أبراج الحفر وقاطرات حمل الذهب الأسود إلى المنطقة، وهبّت العمالة البيضاء وأثرياء  الدولار وخدمهم وثقافتهم إلى المنطقة فأخذوا يسرقون الكثير ويتركون الفتات لأصحاب الأرض الذين استسلموا لظروف الجهل وغياب التعليم والإرادة السياسية وعلوم الاقتصاد والتكنولوجيا، ويتحوّلوا إلى مستهلكين كسالى غير منتجين يتركون كل العمل والإنتاج بيد الأجانب الواردين إلى أرضهم،  ويصرفون حفنة الدولارات التي بيدهم على اقتناء الكماليات ووسائل الراحة وخدم المنازل. فتاريخياً من يعيش برفاهية يبرز لعيون الحسّاد فتبدأ الأحاديث عنه وتتطور إلى مؤامرات لإبعاده عن الثروة والاستيلاء على ماعنده من دولارات وثروة وأرض.

والفيلم يستعرض هذه الحكاية التي تكررت في التاريخ لمرات ومرات، حتى وصلت قبل قرون إلى أمريكا فغزاها الأوروبيون وطردوا سكانها الأصليّون ولازالت الحكاية تتكرر منذ عقود في مناطق الهنود في كندا وأمريكا اللاتينية إلى أن وصلت إلى فلسطين، واليوم في غزّة تحديداً، فيرد الكيان المحتل على المقاومين بتفجير المستشفيات والبيوت والمدارس ودور العبادة وتتم تصفية المناضلين ويجلب الغرباء من أراضي بعيدة ليوّطنوهم في أرض فلسطين. إنّ زهرة القمر تنمو في أواخر الربيع وقبل حلول الصيف، كما أن لونها هو الأبيض ولا تتفتح إلا بعد مغيب الشمس مما يضفي الغموض والرومانسية عليها، ويرمز هذا إلى استقرار شعب (الأوساج) في الأرض الجديدة وحبه للجمال والسلام، أما القمر فهو من يحفظ الأسرار ولا يتغير. إنه صديق الفلسطينيين وأهل غزّة. إنه إطلالة النصر الليلية التي لا بد أن تأتي لتحرر المظلومين.

الفيلم تأليف الكاتب الصحفي ديفيد غران، وكتب السيناريو اريك روث ومارتن سكورسيزي (الذي أخرج الفيلم)، وقام بالبطولة ليلي جلادستون وروبرت دي نيرو وليناردو دي كابريو (الذي أنتج الفيلم أيضاً).

في بداية الفيلم هناك لقطة لشيخ قبيلة الأوساج، وقد رفع غليوناً أمام الحاضرين في اجتماع قبلي يطلب من الآلهة والأرواح حماية القبيلة من شرّ أخلاق البيض، ووصف حال القبيلة بالتفكك بسبب شرور الأموال التي دخلت عليها من ثروات الأرض وتسببت في تفكك شبابهم وتبنيهم ثقافة البيض المدمّرة لعاداتهم وتقاليدهم، ويرمز (الغليون) إلى الاتحاد بين رجال القبيلة فقد كان هو الأداة التي تجمعهم في مجالس تدخين التبغ المشهورة عند الهنود والتي تشاوروا فيها على الدوام في كيفية المحافظة على كياناتهم.  

ثم تأخذنا الكاميرا إلى المدينة الحديثة في أوائل العشرينات، التي بنيت من قبل البيض لتكون مركزاً للتسوق ووصول العمال البيض من كل مكان للعمل في البترول حيث بُنيت كل المنشآت الاستهلاكية والعصرية بما فيها البنوك والفنادق، واستبدلت الأحصنة بسيارات الأجرة الحديثة والخيم بالأسواق الحديثة التي تزورها نساء هنديات جميلات تبحثن عن شراء الكماليات والمتعة والخمر والتصوير الفوتوغرافي بثيابهن التقليدية أو موديلات النساء البيض ليشارك الهنود الغزاة البيض في الحياة العصرية الحديثة.

وسط هذا الازدحام حيث يبين لنا المخرج بأن الهندي المظلوم قد تحوّل بفعل ثروته من البترول إلى سيّد يعمل عنده البيض، فاقتبس منهم ما اقتبس من مظاهر اجتماعية وعقلية تجارية بعد أن ترك عادات وأفراد قبيلته وشيخها لتذهب مع الريح، ويُصوّر السيناريو كيف أن الإنسان بطبعه جشع وطمّاع ولديه حبّ التملك.                                                           

وتأخذنا الكاميرا لرواية القصة بأن أمريكياً (إرنست بوركهارت ويقوم بالدور ليوناردو دي كابريو) قد وصل للتوّ بالقطار إلى هذه الجنة الصغيرة بعد أن جُرح في الحرب العالمية الأولى وأصبح عاطلاً، بدعوةٍ من خاله الذي يملك أرضاً كبيرة لا يوجد بها بترول (ويليام هايل – ويقوم بالدور روبرت دي نيرو). هذا الخال يحبّ التملك وتوسيع رقعة أملاكه ونفوذه وهو نائب الشريف في المدينة ولكنه يملك الشريف والقانون بيده، وتمتد شراهته ليحاول تملك المدينة كلها ليطرد أو ويقتل الهنود فيطلق عليه (الجشع ذو الشهية اليهودية).

في أول لقاءٍ بين الخال الجشع وابن أخته، يسرد الخال عليه كيفية التعامل مع الهنود وتجنّب المشاكل، كون ابن أخته مجرماً من أصحاب السوابق في عالم الجريمة فيقنعه وينصحه باستغلال العلاقات الغرامية مع الهنديات من أجل الاستيلاء على أموالهن. (ابن الأخت) يمضي إلى المجتمع الجديد ويعمل كسائق أجرة ويتمكن من التعرف على هندية تأخذ قلبه (مولي – وتقوم بالدور ليلي جلادستون) فتتغير علاقتهما من علاقة سائق وسيدته إلى سائقٍ تغرم به سيدته ومن ثم يتزوجها بإيعاز من خاله لكي يتمكن من وراثتها في حالة وفاتها وخاصة وأنها تعاني من داء السكري مثل باقي الهنود من قبيلتها، ذلك الداء الذي قضى على مجاميع منهم بسبب عدم اكتشاف الدواء.

تمضي الأحداث وتُقتل أخوات مولي ليرثهم أزواجهن البيض، وتموت والدتها بسبب السن والمرض، كما يموت عدد من أبناء قبيلتها في حوادث غامضة بطلقات نارية ولا يتحرك لا الشريف ولا نائبه للتحقيق فيها. ويبدأ المجرمون الذين يستأجرهم الجشع (ويليام هايل) بالانقضاض على الهنود الاثرياء ويقتلونهم في حوادث متفرقة لتؤول ثرواتهم وأرضهم للرجل الأبيض أو (ويليام هايل). ينتبه مجلس الهنود وأعيانهم لكل ما يجري ويجتمعون مع الرئيس الأمريكي في وفد تمثلهم فيه (مولي)، فتبعث الحكومة بمحققين من الشرطة الإتحادية (إف بي آي( ويتتبعون الجناة ويصلون إلى رأسهم. أثناء هذه التحقيقات يقرر (ويليام هايل) مع شركائه من أصحاب البنوك والفنادق والشركات في البلدة قتل (مولي) وكل من يتكلم مثلها كما أنهم يعينون أفضل المحامين للدفاع عن ممثلهم نائب الشريف (أحداث تشبه الديبلوماسية الأمريكية في الشرق الاوسط لحماية ركيزتها إسرائيل والدفاع عن مصالحها البترولية). وهنا يبدأ الصراع على قتل (مولي)، رمز المقاومة، من قبل شريكها بواسطة سمّ بطيء على شكل دواء للسكري فتتدهور صحتها وتعلم بأن زوجها يسعى لقتلها من خلال الدواء، ولكنها تصبر على مصيرها من شدّة حبها له (وهذا هو التناقض في قصة الفيلم فكيف يمكن لشخصٍ يعرف أن شخصاً أخر ولو كان زوجه يسعى لقتله لكنه يصبر عليه في سبيل أن لا يدّمر علاقة الحب معه – وهذا التناقض يذكرنا بموقف بعض المستوطنين اليهود في فلسطين حين يتعاطفون مع الفلسطينيين ويظهرون ذلك، لكنهم في نفس الوقت يبنون المستوطنات على أرضهم ويطردونهم منها) !!. تستمر أحداث الفيلم وتقبض الشرطة على المجرم الرئيسي وزوج مولي وتغفل دور الآخرين ليبقوا يستغلون الأرض ويطردون أهلها بأشكال أخرى، وتتحسن حالة (مولي) رمز المقاومة ويموت أحد أبناءها بينما يبقى الآخر كرمز لبقاء شعبها.

وهنا يعطي المخرج في حركة ذكية بعض الدور للحكومة الأمريكية في حلّ القضية وردع هذا الظلم هرباً من المراقبة الأمنية في هوليوود، والتي انخدع بها العالم سابقاً لتظهر على حقيقتها فيما يفعله الإعلام الأمريكي هذه الأيام بشأن كبت وقمع كل إعلام يقف مع غزّة والقضية الفلسطينية. فيلم بالمصادفة يعدّ إسقاطاً لكثير مما يجري في الشرق الأوسط وفلسطين وصولاً إلى الضفة الغربية وغزّة.