قوة المجلس النيابي والمسار الديمقراطي

0
34

باننتهاء الانتخابات بدأت مرحلة جديدة من عمر المجلس النيابي. ساهم في هذه الانتخابات عدد كبير من المرشحين، نسبة كبيرة منهم شباب لهم تطلعاتهم وتصوراتهم لمستقبل المجتمع والدولة ونأمل ان لا يختفوا عن الساحة بعد الانتخابات ويشاركوا في تطوير المسار الديمقراطي وتصحيح المسار. نبارك لجميع الفائزين ونتطلع إلى مساهمة ومشاركة مجتمعية لكل من شارك في الانتخابات ولم يحالفه الحظ.

 شهد التحضير للانتخابات مشاركة العديد من المجالس الأهلية والصحافة المحلية في فتح مجال حوار واستطلاعات، أبرزت عدداً من المبادئ والأفكار التي ينبغي أن تهتم بها مؤسسات المجتمع وعلى رأسها الجمعيات السياسية والاستفادة منها في تطوير التجربة. أما الجهة التي يقع عليها العبء الأكبر في الاهتمام بالتوجهات والأفكار المطروحة فهي مجلس النواب نفسه. وأهم ما برز من هذا النشاط المجتمعي هو أن المصلحة تقتضي أن يكون هناك مجلس نوّاب قوي يعمل بندية مع حكومة قوية. لذلك فإن من أولويات العمل النيابي في المجلس القادم العمل على استرجاع الصلاحيات التي فقدها برلمان 2014 و2018. هذه الصلاحيات كانت في حدّ ذاتها تحتاج تطويراً لكي يحقق المجلس رؤية جلالة الملك وتطلعات المجتمع في تطوير العملية الديمقراطية.

رفع مستوى الصلاحيات وتطوير العملية الديمقراطية تتطلب تقوية المجلس، وهذه من مسؤولية المجلس نفسه ممثلا في قياداته التي يُحَمِّلُها الدستور في ديباجته مسؤولية تطوير التجربة، كما تقع المسؤولية على لجانه وأعضائه. غير ان مصدر قوة المجلس الحقيقية مستمدة من قوة المجتمع. وقوة المجتمع تكمن في قوة وكفاءة وفاعلية تنظيماته ومؤسساته المدنية والسياسية والحقوقية. مصلحة مجلس النواب تقتضي التفكير ملياً في هذا الجانب والبحث في كيفية تقوية مؤسسات ومنظمات المجتمع مادياً ومعنوياً وقانونياً لخلق مجتمع مدني حيوي يعبر عن مصالحه ويحقق التوازن مع الحكومة. يتطلب الأمر تشريعات تفرض للجمعيات السياسية بشكل خاص تمويلاً ثابتاً يساعدها على تنمية قدراتها وييسر عملية استقطاب أعضاء جدد من الشباب.

كون المجلس الحالي من نسبة كبيرة من أعضاء مستقلين هو مصدر ضعف، حتى وان كان الاعضاء يتمتعون بكفاءة عالية. يتعامل المجلس النيابي مع قضايا هامة ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية تعتمد على مستوى عالٍ من الوعي السياسي والتدريب العملي الميداني في المنظمات الأهلية والجمعيات السياسية. العمل السياسي بطبيعته عمل جماعي، فالحكومات تمارس العمل الجماعي، وكذلك الأحزاب السياسية في جميع الديمقراطيات تمارس العمل الجماعي. الاستقلال الفردي قد يكون مفيداً في حالات محدودة غير أنه في الغالب يكون مصدر ضعف وعرضة للتقلبات والاستمالة والخضوع للمصالح الشخصية والحسابات الانتخابية.

من جهة أخرى فإن المستقل لا يخضع للمساءلة والمحاسبة خلال مدة الفصل التشريعي، على عكس النوّاب المنتمين إلى هياكل مؤسسية سياسية، فهم يخضعون للمناقشات كما يتلقون مساعدة ودعماً من جمعياتهم في دراسة المشاريع وتقديم المقترحات. بذلك يمكن للجمعيات السياسية أن تتبنى مشاريع تنمويّة طويلة الأمد وتضع الخطط والتشريعات لتنفيذه، في حين أن ذلك غير متيسر للعضو المستقل مهما كانت قدراته وكفاءته ونزاهته. من هذا المنطلق سيكون من المفيد أن يعمل المجلس على تكوين تكتلات تكون نواتها الجمعيات السياسية الموجودة في المجلس وهي المنبر التقدمي وتجمع الوحدة الوطنية وجمعية الرابطة الإسلامية، على أن يستقطب عدداً من الأعضاء المستقلين والاتفاق على مبادئ عامة تلتزم بها الكتلة.  

بالإضافة إلى ذلك ولكون المجلس مكوناً من أغلبية مستقلة، فإن الخيار الآخر المطروح هو تكوين لجان أهلية في كل دائرة والقيام بالمساءلة والمحاسبة والمتابعة عبر هذه اللجان ونشر هذه الممارسة في المجتمع. هذا مقترح تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، وتمّ طرحه في ندوات المجالس الأهلية والصحافة. وستكون هذه اللجان (الكيانات الاهلية) أكثر فعالية في حالة تمّ تشكيل مجلس أهلي واحد يضمّ هذه المجالس. وجود كيان أهلي مستقل يعنى بمراقبة اداء البرلمان ونزاهة البرلمانيين، وكذلك نزاهة العملية الانتخابية وتطويرها ومتابعة عمل المجلس ككل في تطوير المسار الديمقراطي وتقوية المجلس نفسه، فالرقابة الشعبية سوف تخدم العمل النيابي. على هذه التكتلات واللجان أن تدفع في اتجاه تطوير مسيرة العمل البرلماني، وتعزيز قدراته من خلال إجراء تعديلات على اللائحة الداخلية والقانون الانتخابي واجراءات الرقابة على العملية الانتخابية وتجريم التدخلات التي ارتفع صوت المواطن في رفضها. تساهم في ذلك الصحافة من خلال إجراء دراسات واستفتاءات كما فعلت إبان العملية الانتخابية.

هذا يقودنا إلى العنصر الآخر في تقوية المجتمع والمجلس النيابي، ألا وهو  حرية الصحافة وقدرتها على نقد جميع أعمال الحكومة والمجلس النيابي والشوري وقرارتها. الفرصة ستكون متاحة لمجلس النواب لتعزيز حرية الصحافة عند مناقشة قانون الصحافة القادم والذي من المتوقع أن يعرض على المجلس قريبا. لا يمكن للعملية الديمقراطية أن تتطور ولا يمكن للحكومة أن ترفع من قدراتها الإدارية والفنية، ولا يمكن لها وضع سياسات واستراتيجيات سليمة دون وجود مجتمع حي يراقب وينتقد ويقيم أداءها ويقوّمه. هذا لا يتم إلا من خلال صحافة حرة تعرض مختلف الرؤى والتوجهات، ومسؤولين يقبلون الرأي الآخر المختلف والنقد على أنه حق من حقوق المواطن، وليس ترفاً ثقافياً. هذا الدور للصحافة يخلق التدافع الذي يرفع الأمم وينمي قدرات مؤسسات الدولة ويجعل المجتمع شريكاً فاعلاً في العملية الديمقراطية.