كثيرا ما يتحدث المجتمع عن مجلس النواب ويحمل اعضائه كافراد مسئولية التقصير في تحقيق متطلبات المواطن وتطلعات المجتمع. لكن هل المشكلة في الافراد وهل مازلنا مقتنعين بعد خمس دورات من الاداء المتواضع والتراجع في صلاحيات المجلس ان العلة في اعضاء المجلس ام في المجلس نفسه؟ وهل بامكان الاعضاء اصلاح المجلس من الداخل ضمن رؤية تتبناها كتل او جمعيات مثلا او حتى رآسة المجلس؟ ما لم نتعامل مع الاسئلة التي يطرحها المجتمع وما تحمله من تعبير عن خيبة امل، فان الاداء الضعيف والتراجع سوف يستمر في التاثير على المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام. فقد بلغ مستوى الاحباط وخيبة الامل الى حد المطالبة بحل المجلس لتوفير مخصصاته.
تتلخص التساؤلات في ماهي العوامل التي تجعل المجلس غير قادر على حماية حقوق المواطن وتحقيق تطلعات المجتمع؟ تفيد النتائج على مدى تاريخ المجلس محدودية تاثيره في معالجة قضايا مهمة مثل البطالة بالرغم من محاولاته المتعددة، وعجزه في تحقيق شفافية كافية تبعث الثقة في حسن ادارة الموارد واعتمادية المعلومات والبيانات التي تصدر عن الوزارات، وتاثيره المحدود في ترشيد الانفاق والمساءلة في التجاوزات وشبهات الفساد. واليوم يكافح بعض اعضائه في استعادة حقوق المتقاعدين دون نتائج. كما لم يتمكن من احداث تغيير في اصلاح التعليم وجعله يواكب متطلبات التنمية الاقتصادية والمجتمعية.
سواء اتفقنا او اختلفنا في الاجابات على التساؤلات المطروحة فالواقع ان هناك تململ وقدر كبير من الاحباط في المجتمع من اداء المجلس النيابي واصبح من الواضح ان المجلس ضعيف نسبيا امام ارادة الحكومة. نجادل بان السبب يعود الى وجود شبه انفصال بين الرأي العام في المجتمع من جهة والمجلس النيابي من جهة اخرى. فالمجلس غير قادر على الاستفادة من الرأي العام بشكل فعال لعدم وجود الالية الفعالة المنظَمة التي تحقق هذه الاستفادة. تحميل عضو المجلس كفرد مسئولية التراجع ليس منصفا بحق كثير من النواب الذين حاولوا واجتهدوا. علينا ان ندرك ان هذا الانفصال يمثل قضية اساسية مؤثرة على الامن والاستقرار ينبغي ان تثار وتناقش من قبل الجمعيات السياسية والمجتمع، وخصوصا في مجلس النواب والشورى وحتى على مستوى الدولة. العلاقة بين المجتمع والمجلس في فترة الانتخابات هي مؤقتة ظرفية وغير كافية لتشكيل علاقة مؤثرة على مدى اربع سنوات، وما يطرح في التواصل الاجتماعي بالرغم من اهميته وتاثيره لكنه غير كافي الا اذا نتج عن تدخل جلالة الملك كما حدث في قانون التقاعد في 2018.
فمثلا يقول النواب الذين شاركو في ندوة الوطن (الوطن 13-9-2020) بان هناك “فجوة واسعة بين دور المجلس ومطالب المواطنين”، ويعزون ذلك الى غياب العمل السياسي المنظم عن المجلس (العمل الحزبي). فيما يقول احد النواب ان “على هيئة التشريع والافتاء القانوني ان تحث الوزراء على التعاون مع لجان التحقيق بدلا من العمل على الحد من فعالية الادوات الرقابية للبرلمان”. ويطرح اخر ان “النائب مسئول عن تطوير التجربية البرلمانية”، رافضين تقييد صلاحية المجلس بتحديد فترة عمل لجنة التحقيق البرلمانية من قبل الحكومة او الهيئة العامة للتأمين الإجتماعي (التقاعد).
نخلص الى ان التساؤلات التي يطرحها المجتمع والشعور بالاحباط وخيبة الامل، والمطالبة بحل المجلس هي ليست ناتجة من ضعف اعضاء مجلس النواب كافراد، وان كان ذلك صحيحا في بعض الحلات، ولكنها تعود الى خلل في البنية المؤسسية للمجلس وعلاقته بالمجتمع والدولة تشمل البنية المؤسيسة مجموعة القواعد المنظمة للبيئة السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية مثل القوانين والاعراف والعادات والتقاليد والمنظمات التي تضع القيود على سلوك الناس وتصرفاتهم والمسلمات الثقافية التي تؤطر السلوك وتضع الحوافز والدوافع لهذا السلوك. كذلك تحدد هذه المؤسسات مفهوم الناس للحقوق والحريات العامة وعلاقتها بالمجلس النيابي، ومفهومهم للعلاقة بين المجتمع والسلطة وتحدد كيفية التعامل مع الاختلافات السياسية والعقائدية في المجتمع وآلية حماية الحقوق والمصالح واتخاذ القرار. وبالتالي تؤثر هذه القيود في اداء المجلس وفي علاقته بالمجتمع والدولة وتحدد الكلفة السياسية للقرارات والمواقف. هذا التاثير قد لا يكون واضحا حين تتم وضع القيود المؤسسية لكنها تتضح مع الممارسة لتتسبب في ظهور مشاكل وأثار آنية او/ و طويلة المدى، او تقصير في جانب يتطلب معالجة بوضع قيود اخرى وهكذا تتراكم وتنمو القيود وتتعدد التشريعات والقوانين والتنظيمات وتكبل المجلس والمجتمع.
هذا التعقيد والتداخل بين ماهو ثقافي ودستوري في مجتمعاتنا التقليدية يجعل ايجاد الحلول للقضايا والمشاكل صعبا للغاية. فالاسباب الحقيقية تختفي وراء ستار كثيف من المؤثرات والقيود والانظمة والتقاليد والعادات والقوانين. وهذا احد مصادر الاختلاف والفوارق بين مقاربات المجتمعات في التعامل مع قضاياهم واختلاف ادائهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي وانتاجهم الفكري والثقافي.
المخرج من هذا المأزق ليس بالامر السهل. فهو يحتاج الى طرح قضية تقوية مجلس النواب في المجتمع من قبل الجمعيات السياسية وفي التواصل الاجتماعي بشكل منظم ومستمر. لكن الاهم ان يناقشها مجلس النيواب كقضية هامة، والتطرق لها بقوة، وبيان تاثيرها على المكاسب الممكن تحقيقها عند مناقشة القضايا الاساسية التي يهتم بها المجتمع مثل البطالة والضرائب والتقاعد والرواتب. وان يوضح القيود التي يعمل ضمنها وكيف انها تؤثر على اداء المجلس ككل وعلى اعضائه منفردين وعلى ما يمكن تحقيقه من حماية لحقوق المواطنين ورفع مستوى المعيشة. يحتاج المجلس ان يؤكد على العلاقة بين اداء المجلس المتواضع وبين البنية المؤسسية التي تحكم عمله وتؤطر سلوك اعضائه، وما تاثير قانون الانتخابات واللوائح الداخلية التي تنظم عملية التصويت والعلاقات التقليدية التي تؤثر عليها والتقاليد والعادات التي تحكم عمل المجلس. تطوير الاداء مسئولية مشتركة ينبغي التصدي لها من داخل المجلس ومن قبل الجمعيات السياسية وفعاليات المجتمع ككل.