1.
الساعةُ منتصفُ الليل،
أمامَ ضبابٍ يُغرِق في البحرِ جزيرتنا الطافيةَ
على صفحاتٍ من أدعيةٍ منسية،
في اليوم الثالث،
تلمعُ عينٌ زرقاءُ، وتعوي في الظلمة أصواتُ ذئابٍ خاكيّة،
في اليوم الثالث، تمسكُ أيدٍ من تعب الله على قضبان نوافذ
يفتحها الصبرُ، تطلّ على بحرٍ يُطوى تحتَ عباءات الصدفةِ
في اليوم الثالثِ، يلتفتُ من القبرِ المجهولِ الشهداءُ
إلى ناحيةِ القلعةِ،
تلك حكايانا، كدخانٍ من آهاتٍ ترتفعُ
الساعةُ منتصفُ الليلِ من اليوم الثالثِ
منتصفُ الحلمِ، ومنتصفُ الأسماءِ، ومنتصفُ
القلبِ المفزوعِ، الساعةُ وطنٌ يملؤه الفزعُ
وأبي يمسكُ بين يديه تخيّله وجهي الغارقِ في دمهِ
انهض يا ولدي أغسلْ هذا الجرحَ ويغسلني
انهض، يملؤني ماء من أسئلتي
واللجة شكٌّ في هذي الأحلام يمزقني
شكٌّ بموتك أم بموتي
من مات منا؟ لستُ أعرفُ
لستُ أوقن من حياتي
كي أقول
أعيش هذا اليوم/ لستُ أعيشه
من أين تأتيني
أأنت هواجسي، أم أنت صوتي؟
هل سأكمل ماتبقى من حياتك في تخيّلها؟
وهل أتخيّل الآتي أم الماضي؟
أراك بسجنك الأبدي في رأسي
صليبك صخرة في الظهر كالوطن البعيد
وأراك حيا
في أصابعك النحيلة يستقر البحر
منبسطا عليه الضوء، تلمسه النوارس بغتة
فيفزّ مندفعا لأعلاه
ويخرج صوتك الفضيّ منه
مبللاً بالشعر
ممتلئا بزهزهة النشيد
وأراك يا ابني في القيود
وأرى جراحك، لست وحدك
إنما، وطنٌ وأجيالٌ، وأجيالٌ من الأجيال
تسحب في الحديد
///
للآن لم تنضج، ولم تسقط خفيف الروح
عن شجر القبيلة
وطنٌ تأخرّ في عذوق اليأس
ما بالقلب حيلة
تُرمى بأحجارِ الظنون،
يمرّ تحتك فتيةٌ
ويغادرون،
صرعى محبتك الثقيلة
صرعى انتظارك،
هابطاً
متدحرجاً
ما بين أقدامِ السؤال الصعب فيهم
والإجابات القليلة
وتمرّ تحتك نسوة، متشبحّات بالسوادْ
يدفنّ أحلاماً، ويرفعن الرؤوس،
محدّقات في التماع النور
حكّ بظفره الوحشي جلد الصمت فيك
يرحن عنك، مغادراتٍ،
غير مكترثاتٍ إلا للحدادْ
وطنٌ تبيّس في الشجر
وطنٌ تجعّد قشرهُ،
ما حطّ طيرٌ كي ينقّره عليه،
ولم يجفّفه الزمان
لم ينتبه أحدٌ إليه،
كأنه المخفيّ في ورقٍ من الأوهام
منتظراً يداً كي تشتهيه
وطن حزين في الغصون
للآن لم تنضجه
رغم شحوبها
كفّ القدر.
///
يتقشّرُ من حولكَ هذا الليلُ، فتبدو فينا…
لا أعرفُ إن كنتَ بصيصَ الضوء
على قطراتِ ندى الفجر، أم الضوءُ الخافت مرتعشاً فوق الدمعة
تتقشّرُ كلُّ جلودِ أفاعينا من حولكَ،
لا أعرفُ من ينتبهُ، ومن يكشف عن عنقٍ كي يتلقى السمّ بكل حماقته
لا أعرفُ إن كانت عيناكَ أمام الجلّاد تؤرّق أحداً منا اليوم..
ما زال الفرح الممنوع
يدقُّ بقبضته بابَ السجنِ
وما زلن نساءُ القرية، يعصرن المشمومَ بأيديهنّ
وهنّ يزرنَ قبوراً لا يعرفن الداخلَ فيها
والخارجَ منها..
ما زالت نافذة الليلِ تطلُّ على الليلِ
ومازالت تجرحنا الأحلام.
2.
وكبرنا دونه عشرة أعوام
ولكنّ الجزيرة
بعده ضاقت علينا
والشواطئ،
شحذت أضراسها في لحمنا
لم تنجنا الوردة في رأسك
يا أحمدُ..
گلگامش يا شعباً من الموتى
أكلت الزهرة الحمراء
من رأس شهيد،
فلماذا أيها الغارق
في بحر من النسيان
لم تبعث من الموت؟
لماذا تعد الزهرة بالخلد
وتنساها لكي تخلد للنوم؟
كبرنا دونها عشرة أعوام
ومازال الدم الدافئ
ينسابٍ إلى البحر
وگلگامش يعطي ظهره للدم
گلگامش من شاطئه
يبحث عن أوروكَ
عن أحلامه فيها
وينسى..
كلنا ننسى
دمَ الزهرة إذ قبّل
من عشرة أعوامٍ مضت
هذي الجزيرة..