ليست شيرين عبد الوهاب الوحيدة التي عصفت بها زوابع الحياة والإعلام معا. أغلب رموز الفن الجميل تعرّضوا للنصب والاحتيال والاستغلال إن لم يكن لهم من يسندهم ويحرص على سلامتهم ومصالحهم من المقرّبين إليهم الثقاة. وهذا كأنه قدر من الأقدار المشتركة بين عظماء الفنانين في العالم. ولهذا لم تختف شيرين عنهم فقد توفّرت فيها كل العناصر والمكوّنات التي جرتها لتسلك هذا النفق.
ملكة المشاعر كما يحلو لجمهورها العريض أن يلقبها، هي أيضا ملكة العطاء والرّقة والأخلاق وهذا ما لمسته بنفسي حين عرفتها عن قرب، بالرّغم من يقيني أن هذا لا يكفي لأقول إني أعرفها جيدا. فأنا واحدة من جمهورها الواسع وإن كنت في الصف الأول الذي عرفها عن قرب.
ما يراه الجمهور في نجوم الفن ليس دائما حقيقيا، إنّه صورة تخفي حياة بأكملها بحلوها ومرها، وتاريخا لا يمكن تغييره، وحاضرا مثخنا بالتضحيات والمثابرة في العمل من أجل الاستمرار، ومن هنا يدخل “الطفيليون” الذين يقتنصون الفرص، ويمصون دماء النجوم.
قد تكون شيرين مارلين مونرو السمراء، وقد تكون النسخة الأنثوية العربية لإلفيس بريسلي الأمريكي، فنقاط التشابه بين النجوم الذين كانوا سببا في ثراء من استغلوهم كثيرة، وأكثر من ذلك إنهم يُستنزفون إلى آخر رمق.
أمّا وقد فتحنا هذا الموضوع علينا أن نتوقف عند “الضجيج” الذي رافق حياة شيرين عبد الوهاب منذ طالتها أضواء الشهرة، إلى هذه الأسابيع الصّاخبة، التي أوضحت لمن يريد أن يرى الحقيقة أن مشكلة “شيرين” الإنسانة أبعد من كل قيل ولا يزال يقال، إذ يبدو جليا أنها لا تريد سوى القليل من الحب الصادق، لأنها منهكة من الخذلان.
ويبدو أيضا أن المحيطين بها خاصة الذين منحتهم حبا جارفا لم يكونوا هناك لأجل مبادلتها الحب، بل للدخول إلى حياتها وامتصاصها كما تمص الفاكهة الطّازجة في عزّ موسمها.
هل ينفع إذن أن تكتب أطنان الرسائل لها في محاولات متشابهة لتنهض وهي وحيدة؟ مع سيل من الخُطب الإنشائية المؤلمة والتي تليق أكثر بالمراهقين لا بسيدة في قمة النضج؟
تعرف شيرين طريقها، تعرف جيدا طريق النجاح، وقد سلكته بقوة حين كانت البدايات صعبة، وكانت “لا شيء” في مرحلة الصفر معتمدة على موهبتها ومشاعرها المرهفة، وهي اليوم لا تبحث عن مزيد من النجاح، لقد بلغت القمة والقمة تريدها وتتمسّك بها، هي فقط تريد قليلا من الحب، وهو مطلب شرعي لأي إنسان ليستمر في الحياة.
طبعا بالنسبة لفلاسفة زماننا وأباطرة مواقع التواصل الاجتماعي فالأمور سهلة، فيما للمتبصِّر الحكيم فالأمور ازدادت تعقيدا، بعد أن أصبحت شيرين “غنيمة حرب” بين فيالق عدة كل يريدها لنفسه.
هل أسمي هذا جشعا؟ أو طمعا أعمى؟ أو بكل بساطة جريمة لا تغتفر في حق هذه الفراشة المضيئة التي صنعت فرح المخذولين والمطعونين في قلوبهم، وكفكفت دموعهم سرا وعانقتهم بصوتها؟
ها أنا أفرد أمامي مواد كثيرة، من أخبارها، ورسائل وجهت إليها، ومواقع تناقلت أخبارها، وأنا مصدومة، ألا يعرف كل هؤلاء أن التعاطي ممارسة قديمة بين الفنانين؟ ألا يعرفون أيضا أن تحقيق النجاحات الكبيرة يتطلب طاقة كبيرة تفوق في الغالب طاقة الفنان؟
في تاريخ كبار الفنانين دعونا نتذكر إلتون جون، بول مكارتني، جون لينون، إيمينيم، وغيرهم كلهم تعاطوا ما يجعلهم يتحوّلون لآلات تعمل دون توقف لتحقيق ما حققوه.
جوني هوليداي جرب الحشيش والكوكايين وعصائر الفاكهة مع عقار “الأل س دي” وحتى الفطر المهلوس حين كان يعمل على ألبومه “أبدا غير وحيد”، ولعلّ في ذلك رسالة ضمنية أيضا، كشفت ما تخفيه جوارحه من ألم بسبب الشعور بالوحدة.
لكن هذا ليس موضوعنا اليوم، لقد أردت قراءة “شيرين” الإنسانة، وقراءة كل ما يحدث لها بعد أن أصبحت حدثا دراميا خرج عن السيطرة، وتحوّلت لمادة “يُمسرِحها” الجميع وفق أهوائهم ونزواتهم مع تدخُّل صارخ في خصوصياتها وأمور ما كان يجب أن تخرج للعلن.
إنّها نجمة قد يقول البعض، شخصية عامة، وهذه ضريبة الشهرة! هذه التعليقات بالذات هي التي تحوّلنا إلى غيلان ووحوش، وتجرّدنا من ثوب الإنسانية تماما. فكيف نسمح لأنفسنا أن نقف عراة مثل كائنات “الزومبي” أمام امرأة برقة شيرين وننهش في لحمها حتى العظم؟
دعونا نتفق أولا أننا أمام إنسانة لم تقدّم لنا سوى الكثير من الحب، وثانيا دعونا نتأملها كمعطى إنساني بسيط، هي ليست أكثر من امرأة متعبة جداً، وهي قبل العلاج تحتاج لمكان هادئ، لتستعيد عافيتها، وابتعاد كامل عن كل هذا الضجيج، لتكمل أداء رسالتها وهي رسالة حب عظيمة، لهذا أعتقد أنه حان الوقت لرسم حدود صارمة بينها وبين كل هذا السيل الجارف من المتدخلين في حياتها.
عن نفسي لا أرى شيرين إلاّ وحيدة، بدون عبء شريك يحدث ضوضاء في حياتها، ويعطّل تفكيرها، ويقلق راحتها. المرأة بحاجة لتصغي لعقلها ماذا يقول، وقد عرفت ذلك حين رأيت أعماقها النقية، وأصغيت لصوتها النابع من أعماق حكيمة، وفهمت أنها امرأة مستقيمة يتعبها الغلط، وأنها تريد حياة بسيطة وعائلة صغيرة سعيدة، وأنها مسالمة جدا، وقد وجدت نفسها في عالم شرس كله مخالب وأحقاد لا يمكنها أن تتحمّلها، إلاّ إذا دفعت ضريبة غالية على حساب صحتها الجسدية والنفسية. لكن هل يستحق الأمر كل هذه التضحيات؟
كان يمكن لشيرين أن تكون أكثر سعادة لو أنها لا تملك هذه الموهبة، ولا تحمل رسالة عظيمة على عاتقها، فالأمور تصبح أكثر تعقيدا، كلما اختلف شخص عن غيره بمواهب استثنائية، وتعذّر عليه تغيير قدره.
إن المشكلة في ظاهرها تبدو وكأنّها حملة أخلاقية، لكن في باطنها هي أبعد من ذلك، إنها بكل بساطة حملة ضد هذا الآخر المختلف، الذي نريده أن يشبهنا، في ملبسه وأكله وشربه، وحياته المهنية ومستواه المادي. نريده مجرّدا من كل أسلحته حتى وإن كانت سلمية مثل الغناء، وأكثر من ذلك نريده مدجّنا، وألاّ يخطر بباله أبدا أن يغادر الحظيرة التي تضم الغبي والنبيه، الظالم والمظلوم، المكروه والمحبوب، والشرير والخيّر.
لا تبرير لكل ما يحدث حتى وإن قيل أن البشر جميعهم من طينة واحدة سواء في مشارق الأرض أو مغاربها، إذن ما الذي يجب فعله؟ كثيرة هي المقترحات والنصائح التي وردت في رسائل الدعم التي كتبها فنانون وإعلاميون، مثل الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي، والفنانة سلاف فواخرجي، لكن صمت المثقفين مربك، وكأنهم خارج هذا الكوكب، أو ربما هم “مترفعون” عن هذه الطبقة، معتبرين أنفسهم أكبر منها !
لا علينا، لكن إن لم يكن المثقف الحلقة الرابطة بين أنواع البشر بمختلف أهوائهم وهوياتهم، وذلك الشخص الفضولي الذي يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة على رأي سارتر، فماذا يكون؟ وما دوره الحقيقي في المجتمع إن لم يكن نبراسا يضيء الدرب للجميع؟
إن أول خطوة يجب أن تقوم بها الغالية شيرين هي إغلاق هاتفها، والسفر بعيدا حيث لا رنين هاتف ولا باب، لتخلو لنفسها، وتعيد ترتيب أفكارها وفق أبجدية قلبها النابض حبا، والأهم أن تشطب كل من خذلها خاصة من سرب أخبارها للإعلام من قائمة معارفها.
تحضرني هنا الممثلة الأمريكية غريس كيلي التي تزوجت أمير موناكو رينيه الثالث، والتي كانت تلجأ لراهب تشكو إليه مواجعها، بعد أن دخلت عالما ليس لها، فكانت ترتاح مؤقتا قبل أن تلوي السياسة والمجتمع المخملي للإمارة عنقها وتموت في حادث سيارة قيل إنه حدث لأنها كانت ثملة.
لكي ينقذ الإنسان نفسه، يجب أن يضحي بكل من حوله لا من أجلهم إن كانوا لا يحيطونه بالحماية والحب.
أيتها الغالية شيرين خذي الحكمة من قصص مشابهة لقصة حياتك، خذي عطلة وشاهدي أفلاما تروي بالتفصيل حياة مشاهير مثلك، إلفيس بريسلي، مارلين مونرو، غريس كيلي، داليدا، وغيرهم كثر!
كوني قوية وخذي القرار الصح.