لن يتعافى الوطن العربي أو بشكل أدق البلدان العربية طالما ، سُلط عليه حكامٌ يفكرون في الوضع الأمني، إضافة إلى ممارسة سياسة الاستبداد والاضطهاد للآراء المخالفة لهم بغضّ النظر عن أصحاب التوجهات السياسيةوالفكرية، بعضهم كان في صفٍ واحد مع الحاكم والسلطة واستفادوا كثيراً في توسيع قواعدهم الجماهيرية في أكثر من بلد عربي، وتورطوا في استخدامهم كأبواق معادية لقوى اليسار العربي، كما تغيب عن أجندة السلطات الحاكمة العربية، مقوماتُ التنمية و البناء أو التصدي لآفة الفساد المستشري في أغلبية البلدان العربية، وتصادر وتلغى الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية، لأسباب عدة.
وتغيب مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، وتكمَّم الأصوات المعارضة والتي أصيبت باخفاقات وانتكاسات عديدة في أكثر من بلد عربي نتيجة أوضاع ذاتية وموضوعية، وبالمقابل يستمر الرهان على الإمبريالية وتحديداً الإمبريالية الأمريكية،بالرغم من أنه رهانٌ خاسرٌ، إلا أن السلطات العربية الحاكمة ستبقى مرهونة ومنتهكة السيادة الوطنية، و الإمبريالية الأمريكية لا تثق في تلك الأنظمة السياسية، تربطها المصالح، ليست علاقات قائمة على أسس التعاون والتبادل التجاري أو الاقتصادي أو الثقافي وغيرها، وفق للمعايير والمواثيق الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول المستقلة، وإذا توقفنا أمام مفاهيم ومبادئ العلاقات الدولية فالإمبريالية الأمريكية تنسجها بناءً على المصالح، لا يهم بالنسبة لها من يحكم من الرؤساء والقادة العرب، بقدر مايهمها التسهيلات المقدمة لها، مثل تشييد القواعد العسكرية في تلك البلاد العربية وتسهيل أمورها في مواجهة ما تطلق عليه “الدول المارقة” أو الدول المعادية، ويمكن أن نشير هنا إلى أهمها إيران في منطقتنا، وكوريا الشمالية، وكوبا، ناهيك عن روسيا والصين، وغيرها من الدول التي ترفض الوصايا والإملاءات الأمريكية، هذه الدول التي تختار طريقها المستقل وتريد أن تسير على نهجٍ مغايرٍ لرغبة وإرادة الأمريكان، بالرغم ما تواجهه من الصعوبات والتحديات الكبيرة، ولكنها سوف تتخطَّى تلك الصعاب والعقوبات المفروضة عليها بإرادتها الحرة .
ويمكن لنا أن نعطي على سبيل المثال روسيا والحرب مع أوكرانيا، ماذا فعلت بها الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها الغربيون، فرضت عليها عقوبات جمَّة لا مثيل لها، وتمَّ مصادرة أموالها في الخارج بمئات المليارات في البنوك الأوروبية والأمريكية، ولم ترضخ لهم وهي يوم بعد يوم تتعافى وتعتمد على نفسها في الاقتصاد والصناعة والتجارة، وفعلت قبلها إيران .
هذا هو المخاض لولادة النظام العالمي الجديد مسألة وقت، لا يمكن أن تسيطر على العالم دولة واحدة وإنْ امتلكت من القوة الاقتصادية والعسكرية ، هناك قوى دولية صاعدة مثل الصين، روسيا، الهند، سوف يبزغ فجرٌ جديدٌ في عالمٍ متعددِ الاقطاب .
فعلى النظام العربي الرسمي أن يتعلم الدروس والعبر، من تلك الدول الرافضة الخضوع والخنوغ للإمبريالية الأمريكية، التي تهمُّها مصالحها وليس تقدم ورُقي الدول، وعلى النظام العربي الرسمي أن يعزز الحقوق والحريات العامة وأن يثق بمواطنيه في البناء والتنمية، وأن يكونَ هاجسُ التنمية المستدامة هدفاً رئيسياً في استراتيجيته وخططه ومشاريعه المستقبلية ، ويقلِّلَ من العسكرة والتسلح والأمن .
فعندما ترصد الدول العربية المبالغ المالية للبحوث العلمية وتوفر البيئة الصحية للعلماء والمفكرين والدارسين من الطلبة الجامعيين في مجالات العلوم الإنسانية والمعرفية، وتنشئ المعاهد والكليات المتخصصة في الجامعات الوطنية ، لتشكِّلَ خطوةً علميةً صحيحةً نحو إنتاج المعرفة والعلم والفكر، بدون ذلك لا تتطور البلدان العربية إذا استمَّرت على نفس الأفكار القديمة لا تستطيع مواكبة العصر وما يحدث من ثورة هائلة في مجال العلم والمعرفة.
فبعد الإبادة الجماعية في غزة من قبل الكيان الصهيوني وبدعم الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين وبعد ثمانية أشهر على مجازر وجرائم الكيان الصهيوني، انكشفت أكثر من السابق حقيقة النظام الإمبريالي ووحشيته وفاشيته، لايمكن الوثوق به أو بإدعائه بأنه مدافع عن حقوق الإنسان والحريات العامة، التظاهرات والأحتجاجات الطلابية، في أمريكا وأوروبا ومواجهتها بوحشية، فضحت ذلك الغطاء المستور، فهل يتعظ النظام العربي الرسمي من تلك الأحداث الجسام ويقف مع شعوبه ويلبِّي مطالبهم المشروعة والمحقة ويعمل على إشاعة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحريات العامة، ويحترم حقوق الإنسان، ويتوقف عن سياسة القمع والترهيب للمواطنين.
على الدول العربية المطبعة مع دولة الاحتلال أن تلغي معاهدات أو اتفاقيات التطبيع، وتعمل على إيقاف المجازر الدموية في غزّة، بدل أن تتلكَّأَ أو تراوح مكانها. مطلوب منها مواقف واضحة وصريحة، فالشعب الفلسطيني لوحده يواجهه آلة الحرب الصهيونية الأمريكية ويناضل ويقاوم من أجل نيل حقوقه المشروعة وفي مقدّمتها إقامة الدولة الفلسطينية الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس .