الحساب الختامي لعام 2023 بين الميزانية العامة وبرنامج التوازن المالي*
بقراءة الحساب الختامي للدولة عن عام 2023 يمكننا استشفاف إحدى نتائج عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، فهما شريكان في المسؤولية، والحساب الختامي للدولة هو مرآة لما أقرّه النواب في الميزانية، وما عملت عليه الحكومة في تنفيذها، ومدى توافق ذلك مع مجموعة من الأهداف في خطة عمل الحكومة وبرامجها، بالإضافة إلى تشريعات أخرى وأهمها برنامج التوازن المالي وآلية تعامل النواب مع إدارة هذا الملف، ومدى الصلاحيات التي يتمتع بها أعضاء مجلس النواب في مراقبة ومحاسبة الحكومة.
فإذا اتفقنا على اعتبار الحساب الختامي مرآة إلى ما جاء في الميزانية التي أقرّها النواب ببنودها المختلفة، إضافة الى مدى ما ذهبت فيه الحكومة بتنفيذ هذه الميزانية كمشاريع وبرامج لإدارة الدولة وشؤون المواطنين هذا ما يحمل النواب مسؤولية جدية المتابعة في نقطتين اساسيتين:
أولاً: مدى التزام الحكومة بتطبيق ما جاء في الميزانية المعتمدة.
ثانياً: مدى ملائمة وصوابية ما جاء في الميزانية وفق ظروف البلد المالية والاقتصادية والاجتماعية.
وكما سبق في جميع الحسابات الختامية منذ التقرير الاول لم يخلو أي منها من المخالفات الكبيرة عما جاء في الميزانيات المعتمدة، وهنا سبق وأن تداولت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي العديد من المخالفات التي تضمّنها هذا التقرير، لذا ساركز على بعضها دون التطرق للتفاصيل،
يتضح التالي من الحساب الختامي للسنة المالية لعام 2023 من الميزانية المقرّة في الدور الأول من الفصل التشريعي السادس، المرتبط بتنفيذ بنود الميزانية ببنديها: الإيرادات، والمصروفات، وعلاقة كل منهما ببرنامج التوازن المالي.
- الإيرادات
- بخصوص إيرادات الميزانية من النفط والغاز يلاحظ فرق كبير بين ما جاء في الحساب الختامي وما جاء في إجابة وزارة المالية والاقتصاد الوطني، على سؤال نيابي سابق للنائب خالد بو عنق عن متوسط سعر برميل النفط، وتمّ نشر نص الإجابة عليه في صحيفة الوطن بتاريخ 19 مايو من العام الحالي بأن متوسط سعر برميل النفط بلغ 84 دولاراً خلال عام 2023 ، أي بزيادة ما يقارب 24 دولار (40%)، وأكدت الوزارة (سيساهم ارتفاع أسعار النفط خلال فترة تنفيذ الميزانية في تسديد العجوزات الفعلية خلال السنتين الماليتين 2023 و 2024 ولذلك سينخفض حجم الاقتراض لتغطية الاحتياجات التمويلية لسدّ العجز القائم والمتوقع في الميزانية العامة للدولة) وللعلم أن ما تم إقراره في قانون اعتماد الميزانية العامة للسنتين الماليتين 2023 و2024 لسعر النفط 60 دولاراً للبرميل، إلا أن هذه الزيادة لم تنعكس في الحساب الختامي إلا بنسبة 6.2% عمّا تمّ اعتماده في قانون الميزانية وهو لا يتوافق مع الارتفاع في متوسط سعر برميل النفط وبفارق كبير عما جاء في ردّ الوزارة.
- زيادة العجز عما كان مقرراً في الميزانية بأكثر من 46 مليون و600 ألف دينار، أي بنسبة تزيد على 23.3% .
- في حين نشهد زيادة في إيرادات الرسوم والضرائب بنسبة تقارب 4%، إلا أن إيرادات الاستثمار وأملاك الحكومة تشهد انخفاضاً بما يزيد على 27% من المعتمد في الميزانية.
ومن الأهمية معرفة سبب هذه الاختلالات والاختلاف في الأرقام ومدى دقتها والتعامل بشفافية في دقة هذه الأرقام وأسبابها. وهى من مهام اصحاب السعادة النواب ومن مسؤولياتهم حيث اقسم الجميع على حماية المال العام)
- المصروفات
1- كالعادة ورغم ضآلة الاعتمادات المالية للمشاريع وأهميتها، خاصة أنها تعنى بالشأن الخدمي للحياة اليومية للمواطنين فإنه لم يستخدم من المبلغ المعتمد أكثر من 47 مليون و700 الف دينار ما يقارب الـ 15% منها، مما يدّل على عدم إنجاز تلك المشاريع وتأجيلها وهذا يتسبب في رفع تكلفتها في قادم الايام، بالإضافة إلى ذلك فإن المبالغ المرصودة لتلك المشاريع أموال تمّ اقتراضها وترتب عليها رفع الدين العام وفوائده.
2- ازدادت تكلفة الموظفين غير البحرينيين بما يقارب الـ 40 مليون دينار وبنسبة 27.30% عن المبلغ المعتمد في الميزانية، ما يطرح السؤال عن خطط البحرنة؟ وهل هناك جدية في هذا الملف الذي له الكثير من الأكلاف الاقتصادية والاجتماعية على المجتمع البحريني خاصة على الشباب المتعلمين والباحثين عن فرص عمل.
3- ارتفاع فوائد الدين العام من 766 مليون إلى ما يقارب 835 مليون دينار أي بزيادة تقارب 69 مليون دينار، ما نسبته بزيادة 9%.
من الأهمية أن نراجع ما تم إقراره في برنامج التوازن المالي وما يهدف إليه، حيث دعا برنامج التوازن المالي منذ إطلاقه في عام 2018 إلى تحقيق التوازن المالي بين المصروفات والإيرادات الحكومية بحلول عام 2022، ما معناه أن نصل إلى تصفير العجز السنوي في الميزانية، وتم التمديد له لعام 2024 فهل هذه النتائج تتوافق مع توقعات هذا البرنامج أم أننا سنذهب إلى تمديد أخر؟، وعليه هل لنا أن نعرف ما هي المعوقات والأسباب التي حالت دون ذلك؟.
في البرنامج المستحدث (الممدد) يتضح من الصورة أعلاه أن العجز في 2023 بلغ في حدود 229 مليون دينار لنصل إلى تصفير العجز في 2024، إلا أنّ ما أقرّ في الميزانية بذاتها تجاوز ما نص عليه برنامج التوازن المالي بما يقارب الـ 400 مليون دينار، وليأتي الحساب الختامي ليكشف أن هناك زيادة تتجاوز أيضاً ما أقرّ في الميزانية بمبلغ يزيد عن 146 مليون وبنسبة تفوق 23% عن الميزانية وبنسبة تصل الى 338% عمّا نص عليه برنامج التوازن المالي وهنا يحق لنا أن نوجه السؤال التالي للسلطتين التشريعية والتنفيذية عن مدى التزامهما ببرنامج التوازن المالي أم أن ما مضى يؤشر الى ان هناك تمديد ثاني للبرمج مما يفقده الفعالية ويؤشر الى عدم الجدية في الالتزام به.
تعامل مجلس النواب مع الحساب الختامي
وفقاً لما نصّ عليه كل من دستور مملكة البحرين واللائحة الداخلية لمجلس النواب، فإنه بعد تقديم الحساب الختامي من قبل الحكومة للمجلس يحال إلى اللجنة المختصة (اللجنة المالية) لدراسته وتقديم تقرير عنه للمجلس ليأخذ القرار، إما برفضه أو الموافقة عليه.. وقد تمّ تمرير الحساب الختامي طوال عمر المجلس النيابي مرتين فقط عام 2009 و2020 عام 2020 رغم الملاحظات الكثيرة عليه إلا أن النواب مرروه لاعتبارات الجائحة والوضع غير المسبوق الذي مرّت به البحرين ..ورفض في جميع السنوات الأخرى بالعديد من الملاحظات بمخالفات وتتبعها توصيات تتكرر معظمها عاماً بعد آخر … فما العمل وما هو المطلوب؟
مع تكرار هذه الحالة بهذا العدد الكبير، ليس من المعقول أنّ ما توصل إليه مجلس النواب في أدواره المتعاقبة يشوبه عدم الدقة أو عدم التقدير للجهود الحكومية وإنما يؤشر إلى:
- خلل في تعامل الجهاز التنفيذي مع الميزانية وعدم الجدية في العمل بتوصيات المجلس النيابي في دوراته المتعاقبة.
- خلل في الآليات المتبعة من قبل أعضاء السلطة التشريعية مما يؤدي إلى الموافقة على ميزانيات عليها الكثير الملاحظات، والتي غالباً ما نسمعها منهم في المداخلات عند مناقشة الميزانية إلا أنها تمرر في التصويت.
- خلل تشريعي أيضاً يحدّ من سلطة النواب على المحاسبة، وهو ناتج من تقييد صلاحيات المجلس في جل الأدوات النيابية. مما يؤدي إلى عدم جدوى وفاعلية مناقشة الحساب الختامي من الأساس.
* ورقة قدّمت في ندوة بمجلس الأستاذ ابراهيم الدوي بالمحرق بتاريخ 19/10/2024