عن ميرزا القطري مرة أخرى

1
3219

في مطلع شهر نوفمبر الماضي، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبراً عن رجل الأعمال البحريني ميرزا إبراهيم القطري يقول إن الرجل كان في رحلة عمل إلى الصين لمتابعة أعماله التجارية، ولسببٍ ما  تعرض لحادث سقوط في مصنعٍ لتعبئة الأغذية. نُقل القطري إلى أحد مشافي بكين مصاباً ببنزيف في الرأس والرئة وعدّة كسور في مواضع مختلفة من جسمه. سارعت العائلة إلى الالتحاق به فور تلقي الخبر.  ظلّ القطري في العناية المركزة لأكثر من شهر ولم يفق إلا منذ عدة أيام فقط للبدء في مرحلة العلاج الطبيعي، وعلى مدى أسبوع ظلّت مواقع التواصل تكتب عن القطري وتدعو له بالشفاء والعودة إلى مواصلة أعماله وتجارته.

عرفت القطري منذ 24 عاماً، فقد حضر إلى مبنى الصحيفة  شاكياً متظلماً. كانت البحرين تتهيأ وقتها لإعلان انطلاق المشروع الإصلاحي والذي انعكس إيجابا وحيوية على الصحافة. تلقيت في هذه الفترة قصصاً عديدة وقعت للمواطنين في حقبة سريان قانون أمن الدولة في التسعينات. نشرت قصة القطري تاجر الفواكه والخضروات الشهير في ذلك الوقت، وهي المهنة التي ورثها عن أبيه منذ الخمسينات، كان القطري يسجل اسمه كرقمٍ مهمّ في عالم تجارة الفواكه والخضروات لكن نكسة كبرى وقعت له في العام 1996 أعاقت مسيرته وعطّلت أعماله وتجارته. 

وجد القطري نفسه متهماً بحيازة منشورات سياسية خلال أحداث التسعينات، ودخل السجن لمدة 14 شهراً، وخلال فترة مكوثه في السجن أقدمت البلدية على اغلاق محلاته التجارية وأمرت وزارة الأشغال والكهرباء بإلغاء عقد الكهرباء والماء، وجرى ترحيل عمّاله، وأقدم بعضهم على سرقة ما توفر بين يديه من مال ومستندات وبيانات وأجهزة كمبيوتر تخصّ الشركة ما تسبب في ضياع حقوقه وحقوق الدائنين لاحقاً، وفي التفاصيل التي رواها أن البلدية وضعت يدها على محلاته، وأمرت أهله بإخلائها خلال ساعتين بدعوى حاجة البلدية إليها لاستحداث مشروع جديد. فشلت جهود محامي القطري وأهله وشركائه التجاريين في منع هذا الإجراء المجحف، واعتبر المحامي أن تصرف البلدية غير قانوني، إذ لا يحقّ لها إخلاء محلات مواطن غائب أو غير موجود تحت أي ذريعة. انتهت المدة الممنوحة ونفّذت البلدية أوامرها وألقت البضاعة في الشارع، وصادرت محلاته التي لم تكن ضمن القضية أو الإشكالية السياسية أو موضوع التهمة كما يقول القطري.

بعد الإفراج عنه في عام 1997، عمل القطري على حصر خسائره الكثيرة والتي ناهزت المليون دينار. كتب إلى وزير البلديات وقتها رسالة مطوّلة عرض فيها لكل التجاوزات الإدارية التي مورست بحقه وأعاقت عمله ووقفت سداً منيعاً حال دون استعادة نشاطه التجاري إلى سابق عهده. وحسب محامي القطري فإن أغلب التجاوزات التي أقدمت عليها البلدية لا تستند إلى قانون، وفي مفاوضات التسوية مع البلدية جرى إرغام القطري على شطب دعوى التعويض القضائية التي أقامها ضدها، وفضّ الاعتصامات مقابل تأسيس صلح ودي بعيداً عن المحاكم وبما يحفظ حق الأخير ما أمكن في بعض الخسائر الضخمة التي تعرّض لها، وبموجب التسوية التي عرضها عليه مدير الشؤون الإدارية في البلدية وقتها، يحصل القطري على تعويض عيني، قطعة أرض يقيم عليها محلاته التجارية الجديدة نظير رسوم رمزية لتعويض جزء من خسائره.

ارتاب القطري في هذا الاتفاق المبدئي وغير الموثق، لكنه قبله في النهاية مضطراً، وظلّ على تواصلٍ مع البلدية بعد أن علم أن ملف القضية والتسوية أصبحّ على مكتب الوزير، ومرّت الشهور والسنوات وتعاقب على البلدية عدّة لوزراء، والقطري ينتظر، والملف ينقل من إدارة إلى أخرى، فاذا حضر الوزير، سافر المدير وإذا حضر المدير قيل له إن الوزير لم يقرأ التقرير، لكن الجملة التي ظلّ يسمعها مراراً هي أن “الإدارة الحالية غير مسؤولة عن أخطاء الإدارات السابقة “. وخلال هذه الفترة لجأ القطري إلى الإعتصام أمام مبنى البلدية والكتابة والشكوى للصحافة ولغرفة التجارة والصناعة وللجمعيات الحقوقية ولكل صاحب نفوذ رسمي وأهلي، يقرّ القطري أن الأبواب كانت متاحة للشكوى لكن في المحصلة النهائية ينتهي الأمر إلى لا شيئ ويعود صفر اليدين.

حين نشرنا حكاية القطري وعد وزير البلدية يومها بمتابعة القضية بنفسه، لكن القصّة التي نسجت خيوطها في العام 1996، أي منذ 27 عاما لم تبلغ شاطئ الأمان ولم ترسو على أي نتيجة ولم تجبر خاطر الرجل رغم حصوله على ردّ الاعتبار في العام 2000 .

استعاد القطري حيويته التجارية نسبياً ونهض من عثرته الأولى. لقد تخطى الرجل عقبة كبيرة في بواكير عمره وفي ذروة صعوده التجاري، ونأمل أن يجتاز الامتحان الثاني المتعلق بصحته. لقد خضع لعددِ من العمليات الجراحية بعد حادثة السقوط ولا تزال تنتظره أخرى بعد التماثل للصحة، ونسأل الله أن يمدّه بالشفاء، وأن يعوّضه خيراً في قادم الأيام.

1 تعليق

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا