ملفاتنا الوطنية والحاجة إلى الشراكة والإنجاز

0
2

خلال ورشة العمل التي اقامها المنبر التقدمي في الثامن عشر من شهر يناير المنصرم، والتي خصصت للحديث عن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية لعامي 2023-2024، وقدمت فيها أوراق من قبل جمعيات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني، وشاركت فيها شخصيات من المهتمين بالملف الاقتصادي على وجه التحديد، تميزت في بعض اوراقها المقدمة وكذلك النقاشات التي تلتها، حيث تجاوزت ما جاء في التقرير بالحديث عن مجمل الملف الاقتصادي في البحرين وما يعتريه من اختلالات وتحديات،  وتشوهات في سوق العمل البحريني، وما يمثله ملف البطالة من ثقل وهموم لعموم الشارع البحريني. كذلك تم التطرق بشيء من التفاصيل لملف الفساد وملفات مثل برامج الدعم والبحرنة والدين العام والتأمينات الاجتماعية وعقم النهج الاقتصادي المتبع وما أحدثه من إخفاقات منذ سنوات في البحرين، وما افرزه من تشوهات أضحت جلية للعيان في جوانب اقتصادية ومعيشية وهيكلية عديدة، ليس اقلها ما أحدثه من تشوهات مستعصية في سوق العمل البحرين، حيث الهيمنة الواضحة للعمالة المهاجرة وضياع فرص العمل وتراجع اجور وتنافسية العامل البحريني ،رغم ما تخرجه الجامعات والمعاهد المتخصصة سنويا من أعداد كبيرة من الخريجين والخريجات، الذين حتمت عليهم ظروف المنافسة ان يبقون خارج إطار المنافسة، لا لشيء وإنما فقط بسبب غياب الرؤية وبرامج الإحلال والإيمان الحقيقي بوضع برامج توظيف وتدريب  فاعلة للكوادر الوطنية ووضع معايير ضابطة لهيكلية مدروسة للسوق، حيث تساءل الحضور بمرارة عن ما دأبت الحكومة على ترديده حول افضلية العامل البحريني وتنافسية الاقتصاد الوطني واستدامته، وهي مؤشرات قياس سبق ان طرحتها رؤية البحرين 2030 منذ اكتوبر2008 ولا زال يجري ترديدها بشعارات لا يمكن ان تصمد في ظل ما هو قائم من تشوهات، وباتت تتطلب معالجات سريعة بدلا من الكلام المسهب الذي لا يقدم جديدا، كما تم التطرق أثناء المناقشات حول جدية ما تطرحه الحكومة حول تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على سلعة النفط كمقوم أساسي للاقتصاد الوطني بصورة أساسية، في ظل  ما قدمه المتحاورين من رؤى وتصورات حول غياب الجدية والرؤية الواضحة والطرح الاستراتيجي  للتعاطي مع تلك الملفات الهامة.

من المهم القول وبتجرد ان تلك الملفات جميعها طرحت بكثير من التفصيل والنقاش الجاد ضمن مناقشات مجلس النواب في اكثر من فصل تشريعي، وربما بتركيز اكبر في الفصلين الأخيرين، حيث تعددت جلسات المناقشات العامة ولجان التحقيق والاسئلة النوعية التي طرحت على الحكومة بغية فهم توجهاتها حيال ما يقلق الشارع البحريني بأسره، وقبل ذلك طرحت بصورة مكثفة بداية الفصل التشريعي الحالي تحديدا عند مناقشة برنامج عمل الحكومة، وكذلك خلال اللقاءات والاجتماعات الرسمية التي تجمع ممثلي السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث عبرت السلطة التشريعية بمجلسيها  مرارا وتكرارا عن الكثير من الهواجس المقلقة إذا ما استمر التعاطي الرسمي مع تلك الملفات بهذه الصورة التي لا تحمل اي بوادر للجدية والرغبة الصادقة لوضع المعالجات المطلوبة.

لقد بدى واضحا  خلال مناقشات الحلقة الحوارية هذه ما تمثله تلك الملفات من أهمية وهموم وهواجس مقلقة ومخاوف تتحسب للمستقبل بشيء من الحيرة والتوجس،  خاصة في ظل ما يجري من تحولات  إقليمية ودولية ومنافسة محتدمة على مستوى الإقليم، وانصراف الجميع دون استثناء للتركيز على ملفاتهم الوطنية، ورسم علاقاتهم وتحالفاتهم الخارجية بصورة تحاول ان تستوعب كل تلك المتغيرات، في وقت تبقى مثل تلك الحوارات الجادة والمسؤلة من قبل جمعياتنا السياسية ومؤسسات مجتمعنا المدني والنخب بعيدة كل البعد عن  ان يتم تناولها من قبل الإعلام المقروء والمسموع ومتابعاته، لتبقى تلك الحوارات في داخل اروقة الجمعيات ومنتدياتها،  ونادرا ما يتناولها الإعلام بالبحث والتقصي وكأن ملامستها أصبحت من الممنوعات، على الرغم من ان ملفات البطالة والوضع المعيشي وتراجع الوضعين الاقتصادي والمعيشي، ومخاوف الناس من المستقبل تحفل بها كل الأحياء في مدننا وقرانا وحتى لقاءاتنا الاجتماعية ومنتدياتنا الوطنية، إلا ان صمت الجهات الرسمية ممثلة بالحكومة يبقى سيد الموقف.

غير مفهوم تماما ان  تمتنع الجهات الرسمية ممثلة في الحكومة الموقرة  عن وضع استراتيجيات واضحة لمعالجة كل تلك الملفات الشائكة والملحة، ولابد من القول إننا بتنا اكثر احتياجا لأن نتعلم حاجتنا لفن الاصغاء والتعاطي بمسؤلية تقوم على رسم شراكات حقيقية، تتوسم وضع الحلول لكل قضايانا التي اعتقد جازما أنها ليست عصية على الحل أبدا، لكنها فقط تحتاج لمزيد من الفهم المتبادل بين الحكومة والمجتمع بكل مؤسساته ونخبه، وذلك هو السبيل الوحيد والمجرب الذي بامكاننا ان نهتدي به لوضع ما نطمح اليه من معالجات طال انتظارها، ومن اجل الارتقاء بالوطن وبوعي مجتمعنا وتوظيف إمكانياتنا الكامنة من اجل وطن اكثر رفاها ونموا وسعادة.

نستذكر في هذا الإطار الخطوات الإيجابية التي بادر لطرحها سمو ولي العهد في العام 2004 بشأن حوارات إصلاحات سوق العمل والملف الاقتصادي، وسط حضور نوعي ونخبوي كثيف شارك فيه الجميع بمسؤلية ووطنية من اجل الارتقاء والتطوير الشامل، ولا زال يستذكرها الجميع لأنها ببساطة أفصحت عن نهج علمي مختلف قائم على الشراكة والتشاور في صياغة قرارنا الوطني ، وباعتقادي ان عودتنا مجددا لمثل تلك الحوارات والممارسات ستضيف الكثير لنا كبلد وشعب يطمح نحو المزيد من التنمية وتحقيق النجاحات.. لذلك نقول كم نحن في حاجة لمثل تلك المبادرات التي ابتدعها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء منذ اكثر من عقدين من الزمن، لوضع المعالجات والبرامج والرؤى والاستراتيجيات لمواجهة ما يعترضنا من تحديات، حتما لن تستطيع ان تنجزها الحكومة منفردة على اية حال، وعلينا الكف عن القول ان اوضاعنا الاقتصادية والمعيشية جيدة وان ما يقدمه الجانب الرسمي من ارقام تتعلق بالبحرنة هي غاية ما نريد ونعتقد، فالمساءلة لا تؤخذ  بشعارات وأرقام لا تستطيع ان تصمد في مواجهة الحقائق المعاشة على الأرض..ببساطة نحن في حاجة إلى تفكير جريء ومختلف لكنه  وطني ومسؤول، كي نبدأ مشوارنا المأمول لتحقيق الإنجازات والنجاحات المنتظرة اقتصاديا ومعيشيا وتنمويا.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا