الأثر الباقي

0
66

ما الغياب في حضرة من هم أكبر من الغياب وعصاة عليه، مهما حاول عبثاً إلا أنهم باقون بقاء النخل والبحر في سردية لا تنتهي محكومة بالبقاء. من هؤلاء المخلدين في النفس والذكرى، الأستاذ المربي العمّ العزيز إبراهيم الجمري (أبو خليل) – الرجل الذي خطّ بحضوره بصمة لا تمحى، ورسم بمواقفه أثرًا يبقى. هو شخصية يستحيل أن يتخطاها من يلتقيه أول مرة ولو كان لقاءًا عابراً، يترك في النفس أثراً باقياً وظاهراً لا يشغله غيره،حاضرًا في العقول ككلمة حكيمة. في منزلهم القديم في منطقة البديع، كانت لديه مكتبة واسعة تحتضن عوالم مختلفة، هو أول ما شدني إليه، ذلك الطبع القارئ، المثقف الذي تتحدث عنه رفوف الكتب بصخبٍ هادئ تماماً كتيارات مياه البحر.عرفته أول مرة عبر صداقتي مع ابنه خليل، كان ذلك في أواخر التسعينيات حين كنا طلابًا في المرحلة الإعدادية. توثقت تلك الصلة مع انتقالنا إلى المرحلة الثانوية، حيث جمعنا ذات التخصص العلمي في مدرسة النعيم. لو حسبت تلك السنوات، لفاقت عقدين من الزمان، كان خلالها أبو خليل حريصًا دائمًا على أن نكون الأفضل والأجدر، مقدّمًا لنا الكثير من النصائح والتوجيهات، منها ما كان لطيفًا ومنها ما جاء حازمًا، كلٌ حسب ما تقتضيه اللحظة والموقف.ومع مرور السنوات، تحوّل أبو خليل من معلم وموجه إلى رفيق حزبي داعم. كان حضورًا ثابتًا في لجان التقدمي وفعالياته ومؤتمراته العامة، مشاركًا بحجم ثقل شخصيته ومكانته ووقاره. كان رمزًا للثبات والالتزام، مؤمنًا بأن المبادئ لا تتغير وإن تبدلت الأزمنة، وأن الكلمات الصادقة تبقى كالنجوم، تهدي الحائرين وتنير الدروب.رحيله ليس غيابًا، بل حضور أعمق وأبعد أثرًا. فمثله لا يغيب، بل يظل حاضرًا في الذكرى، حيًا في القلوب، خالدًا في الأثر. يبقى اسمه في طيات الزمن، شاهدًا على أثر لا يمحى ولا ينسى، أثر طيب نقي، يبقى ما بقيت الذكريات، أثراً باقياً.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا