تنازُل الأُنثى وعَودة المرأة (2 – 2)

0
14

بقلم: Azzurra Rinaldi

ترجمة: غريب عوض

كان هناك جانب آخر للتقدم الوظيفي غير المتكافئ الخاص بحالة جائحة COVID-19 نتيجة للفصل الأُفقي ، المُتجذر بعمق في إيطاليا. يمكن مناقشة الفصل الجندري في سوق العمل فيما يتعلق بالفصل الأُفقي والفصل الرأسي. يُشار إلى الفصل الرأسي عادةً بإسم “السقف الزُجاجي”، مما يُشيرُ إلى مجموعة من الظروف التي تحرم المرأة من الترقية إلى المناصب العُليا (في الشركات والمؤسسات والمنظمات). ويُشير الفصل الأُفقي إلى تركز الرجال والنساء في القِطاعات التي يُعتبر اجتماعياً أنها صحيحة أو مُناسِبة لهم (يكفي أن نقول إنهُ في إيطاليا ، لايزال البعض يجدون صعوبة في نطق الصيغة الأنثوية لكلمة “مُهندس”، أو إعطاء الأسماء المؤنثة للمهن الأخرى التي كانت دائماً من اختصاص الذكور). لماذا أثرت أزمة سوق العمل التي سببتها الجائحة على النساء أكثر من غيرها؟ لأن أكثر من 70% من العاملات في إيطاليا يعملن في قطاع الخدمات ، والجائحة بطبيعتها ، جعلت تقديم العديد من الخدمات أمراً مُعقداً، إن لم يكن مُستحيلاً. وهكذا انخفض الطلب على العمل، وعانت النساء بمجموعهن من نكسة.

ويجب أن نتذكر أيضاً بأن النساء اللاتي يتبؤن مناصب عُليا في مواقع صنع القرار (مثل المحكمة الدستورية، والوكالة العالمية للرياضة والترفيه CSM، ووكالة الشركات والصِرافة الإيطالية Consob، والخدمة الدبلوماسية وعدد من السُلطات العامة) تُمثل فقط 20% من المجموع، وأن عدد النساء في الوظائف العُليا في تزايد على نحوٍ بطيء جداً، تُظهر زيادة بنسبة 7% فقط خلال التسع سنوات الأخيرة. إذا أخذنا بعين الأعتبار كلا الشكلين من الفصل الأُفقي والرأسي، فإن الوضع القائم على فجوة الأجور بين الجنسين غير مُفاجئ إلى حد ما. ووفقاً لبيانات نظام التقاعد العام الإيطالي بلغ متوسط الأجور للرجال الإيطاليين في عام 2019  ما مقداره 16,297€يورو، في حين لم يتجاوز متوسط الأجور للنساء 11,260€ يورو. وهكذا فإن فجوة متوسط الأجور حوالي 31% ، ويُمثل مرة أُخرى اختلافات إقليمية .وتُشير البيانات المتعلقة بالجنوب إلى فجوة في الأجور بين الجنسين تبلغ 33% ، ولكن حتى هذا الرقم يتطلب بعض التفكير، لأن النساء في الجنوب يعملن بنسبة عالية في القطاع العام ، حيثُ تبلغ فجوة الأجور بين الجنسين صفراً تقريباً. يبدو أن هذا يُشير إلى وجود فجوة عالية في الأجور بين الجنسين في القطاع الخاص.

ويمكن رؤية العواقب المُترتبة عن عدم المُساواة هذهِ على المستوى المجتمعي، وتُمثل عدم كفاءة خطيرة في نظامنا الإقتصادي. في جنوب إيطاليا، يمكن ربط المعدل المنخفض لتوظيف الإناث بانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي مُقارنةً ببقية البلاد. تُؤكد البيانات الموجودة في تقرير المالوريا لعام 2021 ، كما كان في السنوات السابقة على أن النساء يتخرجن من الجامعة في وقت أبكر وبمتوسط درجات أعلى من الرجال. على هذا النحو، قد يُعتَقَد أن النساء يُمثلن رأس المال البشري الرئيسي لبلادنا ، لكننا لا نخلق بشكل منهجي الظروف التي ندرك فيها قيمتها، لأننا نتوقع منهن البقاء في المنزل والعناية بالأسرة. في بلد يتم فيه بناء الحملات الإنتخابية وكسبها بفضل سرديات الأُسرة (غالباً ما تكون غير واقعية بقدر ما هي ملائكية) من المهم أن نتذكر أن ظروف الأمومة هي بالضبط ما تُمارس التأثير السلبي الأكبر على مقدار الوقت الذي تبقى فيه المرأة في سوق العمل . بالفعل، وفقاً للبيانات المُقدمة في تقرير النوع الإجتماعي (الجندر) لعام 2021، آلية تعمل في إيطاليا تُعرف بإسم “عقوبة الطفولة”، وهي عائق مهني مُخصص للمرأة عندما تُصبِحُ أُماً. ومن بين النساء في سن الإنجاب (بين 25 و 49)، يبلغ مُعدل التوظيف 74% لمن ليس لديهن أطفال، مُقارنةً بـ 54% فقط لمن لديهن طفل دون سن 6 سنوات . وبالنسبة للنساء اللواتي لديهن طفل واحد أو أكثر في جنوب البلاد، ينخفض معدل التوظيف إلى أدنى من ذلك 35%.

كيف نتعامل مع هذا الوضع لـ “تنازل المرأة”؟ بإمكان السياق الإيطالي أن يُشير إلى استراتيجيات قد تنطبق بنفس القدر في أمكان أخرى . من الواضح تماماً، أن هناك حاجة إلى ثورة ثقافية لجعل الرجال والنساء في هذا البلد يرون أنفسهم كمشاركين في جميع الإجراءات والألتزامات التي تقع ضمن نطاق واسع من الأبوة والأمومة. ومع ذلك، فإن التدابير الهيكلية مثل الحصول على خدمات الرعاية النهارية العامة ستُساعد بلاشك. مُنذُ عام 2002 ، دعت أهداف برشلونة التي حددها المجلس الأوروبي إلى إتاحة الرعاية النهارية لـ 33% من الأطفال ، بهدف تحسين التوازن بين الأسرة والعمل وتعزيز حضور أكبر للمرأة في سوق العمل. في إيطاليا في عام 2019، يمكن لـ 27% فقط من الأطفال حتى سن 3 سنوات الإعتماد على مكان في الرعاية النهارية. ومرة ثانية، لدينا تبايُنات اقليمية كبيرة هُنا : وفقاً للمعهد الوطني الإيطالي للإحصاء ISTAT، في حين أنهُ في الشمال تم تحقيق نسبة 33% في المتوسط، بينما في الجنوب فلا يبدو أننا بلغنا أكثر من نسبة 14% (بأدنى رقم 11% وُجِدَ في منطقة كالابريا).

ومع ذلك لا يبدو أن كل شيء قد ضاع . فمع تدهور الأرقام ، يتم إعطاء هذهِ القضايا مساحة متزايدة في الصُحف والمجلات والبرامج التلفزيونية على وتيرة يومية ، وزيادة الوعي الجماعي وجمع الدعم للمُبادرات، بما في ذلك التشريعات ، التي تتحرك نحو مزيد من المُساواة. لا يمكن أن يكون الأمر صِدفة بِأنهُ، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، تمت الموافقة على قانون غريباودو Gribaudo Act للمساواة في الأجور. ويطلب هذا التشريع الجديد من كلٍ من شركات القطاعين العام والخاص التي بها أكثر من 50 موظف أن تجمع تقريراً ببيانات مُقسمة حسب الجنس فيما يتعلق بموظفيهم ، من التوظيف إلى الترقيات والرواتب . ويُقدم قانون غريباودو Gribaudo أيضاً شهادة المساواة بين الجنسين، المرتبطة بآلية المُكأة ، حيثُ تُمنح الشركات التي تقوم بصياغة التقرير ميزة ضريبية لمساهمات الضمان الاجتماعي التي تصل إلى نسبة 1% و 50,000€ يورو سنوياً لكل شركة. ومع ذلك، لا بد أن نقول، يبقى القانون غير مُلزم للشركات التي توظف أقل من 50 موظفاً، ووفقاً لبيانات المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء لعام 2019، من بين 4.4 مليون شركة، 29,000 شركة فقط توظف أكثر من 50 عاملاً. وبالتالي فإن هذا القانون وأي عقوبات مُترتبة عليه تنطبق على 0.7% فقط من شركات الدولة.

من أين نبدأ، إذن، في العمل تجاه استراتيجية المساواة الجنسانية ؟ إذا كان لا بد لي أن أذكر إجراءات مُحددة، سأبدأ بتشريع يطرح إيجازة أُمومة مُتساوية. تم نحقيق هذا في أسبانيا مُنذُ عام تقريباً، وفي فينلندا في أيلول/سبتمبر 2022، لذا، من الواضح إنهُ أمرٌ ممكن . إن جعل إجازة الأبوة مُساوية لإجازة الأمومة لن يشجع فقط على الإنتقال الثقافي الذي تمس الحاجة إليه فحسب، بل سيقضي أيضاً على العديد من أسباب التمييز ضد المرأة في سوق العمل . ثانياً، أود أن أقترح الإلتزام الجاد بالرعاية النهارية وقضا مزيد من الوقت في المدارس .إن عدم وجود مرافق ما قبل المدرسة للأطفال دون سن 3 سنوات ، والجداول الزمنية للفصول التي تسمح للأطفال بالخروج من المدرسة في الساعة الواحدة ظهراً ، والسنة الدراسية التي تشمل أكثر من 3 أشهر من وقت الإجازة ، كُلها عوامل تؤثر على درجة أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها المرأة. ومما لاحظناه ، هناك شيء واحد واضح بشكل خاص : الفجوات بين الجنسين التي تؤثر بشكل كبير على إيطاليا ليست فقط غير عادلة للمرأة بل وتُسبب أيضاً أوجه قصور اقتصادية وأجتماعية.

رداً على ذلك، أظهرت المرأة الإيطالية استراتيجية تفاعلية ذات تداعيات إيجابية ليس فقط على نفسها ولكن أيضاً على النظام الأقتصادي بأكمله: إنشاء الأعمال التجارية. أحد الأرقام مهم بشكل خاص: وفقاً لبحث Eurostat، تحتل إيطاليا المرتبة الأولى في أوروبا من حيث عدد رائدات الأعمال . قد تُشكل الشركات التي تُديرها النساء 22% فقط من الشركات في البلاد ، ولكن من عام 2014 إلى 2020 أظهروا نمواً هائلاً: بالقيمة المطلقة، 3.5 أضعاف الشركات التي يُديرها الذكور . يبدو أنهم تأثروا بشكل هامشي فقط بجائحة الكورونا COVID-19 : وفقاً لبيانات إتحاد الغُرف التجارية الإيطالية ، أنخفض عدد الشركات التي تُديرها النساء بنسبة 0.29% فقط في عام 2020 .

إذا أخذنا بعين الأعتبار أن عام 2020 كان حقاً عاماً مُروعاً ، مع زيادة تقديم الرعاية غير مدفوعة الأجر للنساء الإيطاليات بحوالي ساعتين يومياً ، والتعامل مع عدم اليقين على المستوى الفردي والنِظامي ، فيمكننا الحفاظ على أن 0.29% يُشيرُ تقريباً إلى فعل مُقاومة من قِبَل رائدات الأعمال الإيطاليات . أظهرت دراسة المرصد لمنظمة كونفارتيجياناتو لومبارديا Confartigianato Lombardia للمؤسسات الصغير والمتوسطة في منطقة لومباردي بإيطاليا ، والتي ركزت بشكل كبير على قطاع التصنيع، أن الشركات النسائية أكثر فاعلية ، حيثُ تتبنى ، على سبيل المِثال ، أدوات التخطيط الإستراتيجي بشكل مُتكرر (61% مُقابل 55%). ويُسلط تقرير المرصد الضوء أيضاً على أن الأعمال التجارية النسائية الإيطالية تدعم رؤية من شأنها أن تُحدد الشركات الناجحة في المستقبل: ذهبت التطورات والإستثمارات إلى حد كبير إلى أُولئك الاتي عملن في المؤسسة، مما عزز مهاراتهُن وتدريباتهُنَ.

يجب تقديم المزيد من الدعم لرائدات الأعمال، عندما فتح صندوق المشاريع النسائية ، الذي أنشأه برنامج إنعاش حديثي الولادة NRP ، دعوته، نفذت الأموال في حوالي 30 ثانية – وهو رقم يتحدث بوضوح عن نفسه.